انفجار بيروت الدامي
سيارات الإسعاف يخرق سكون العاصمة الذي لم تشهده المدينة الصاخبة من قبل. كان المشهد مخيفا، سيارة النقل المباشر محطمة ومعها عدد من السيارات المتوقفة بقربها. دُمر المكتب والاستوديو وبعض المعدات، ومن كانوا في المكتب عملوا على وقع الصدمة بعد أن رماهم الانفجار بعيدا عن مكاتبهم، بينما تولى الحرس سحب زميل مصور من القناة الإنجليزية من المصعد الذي سقط به. توجهت مع فريق على عجل إلى أقرب مستشفى في محيط المرفأ، لكنه كان مدمرا وطلب الجيش منا إخلاء المكان لخطورة المباني
انفجار بيروت الدامي مراسل الجزيرة في لبنان | إيهاب العقدي
انخفض منسوب التوتر، بعد أن استدركت زوجتي أن ابنتنا كانت أرسلت رسالة قصيرة قبل الانفجار تبلغنا بعودتها، ومع وصولنا بعد عشر دقائق من توقيت الانفجار إلى الشارع حيث يقع منزلنا، اندفعت زوجتي راكضة على طبقات من الزجاج المتناثر بحثا عن ابنتنا، التي كانت مع الجيران الذين تجمعوا في مدخل المبنى خوفا من أي انفجارات جديدة.كانت ابنتي قد نجت من انهيار واجهة المنزل والزجاج المتحطم من عصف الانفجار. اطمأننت عليها وساهم جيراننا في تأمين المساعدة لرفع الضرر، وتولت زوجتي تنسيق الأمر، وتمسك ابني بملابسي رافضا خروجي للعمل مستشعرا خطرا لم ينته بالنسبة إليه، فغرفته تطاير بابها وتبعثرت ألعابه فيها وكان يسأل أين سينام الليلة. كانت الأنباء تصلني أو أجريها عبر اتصالات متقطعة، بأن الانفجار دمر محيط المرفأ ووسط العاصمة حيث مكتبنا، ولم يتبدد القلق على الزملاء، فلا اتصالات مع أي منهم باستثناء رسالة بريد إلكتروني وصلتني تتحدث عن انفجار في بيروت، فأدركت أن الزملاء في المكتب بخير. كانت السيارة تعبر الكيلومترات القليلة التي تفصلني عن المكتب على طريق معبد بالزجاج وحطام المباني، بينما كان دوي صوت
عاديا في بيروت 2020 لم يكن دوي انفجار الرابع من أغسطس ومحيطها، فقد وصل عصفه إلى منطقة جبل لبنان حيث كنت أستمتع بيوم إجازة هادئ مع زوجتي وابني البالغ من العمر سبع سنوات، بعد عمل أيام في جنوب لبنان شهدت فيها قصفا واستنفارا عسكريا بين حزب الله وإسرائيل. لم يكن انفجارا ناجما عن غارة جوية أو سيارة ملغمة، كان دويه أقوى من الصواريخ ذات القدرة التدميرية العالية التي اعتادت إسرائيل إلقاءها في حروبها الكثيرة على لبنان. كان بالتأكيد أقوى من الانفجار الذي قتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري واستخدم فيه طنان من المتفجرات. حجب الدخان مدينتي التي أسكنها، وكان الفزع بادياً على وجه ابني الذي لم يتمكن من التقاط أنفاسه أو حتى التعبير عن رعبه ببعض العبرات من عينيه. أخفت الصدمة كل ملامح زوجتي التي بدأت تردد اسم ابنتي البالغة من العمر أربعة عشر عاما والتي فضلت البقاء مع صديقاتها وسط بيروت لتناول الغداء. تعطلت الاتصالات فلم أستطع التواصل مع ابنتي ومكتب الجزيرة، وكأن الزمن توقف في تلك الدقائق الأولى من الانفجار، فلم نعد ندري من بقي بخير.
271
270
Made with FlippingBook Online newsletter