تستمر الحياة فيجحيم موريا
تستمر الحياة فيجحيم موريا مراسلة قناة الجزيرة بلقانفي بلغراد | جيلينا غلوساك
وجه أحد الإعلانات التلفزيونية، في حين أنها لم تتجاوز الخامسة من العمر. تتمتع بجمال طفولي بريء لدرجة أنها حين تبتسم لا يمكن لمن يراها سوى أن يحدق طويلاً في قسمات وجهها. لم أستطع تحديد ما يجري من حولي في مخيم موريا. ببساطة، في ذلك المكان يحتاج الدماغ حرفياً لكثير من الوقت كي يستوعب ما يدور أمامه. هناك أمور غير معقولة، ولكن لا يمكن تحديد كنهها بالضبط. كأنك تعيش حلماً مزعجاً، الصورة غير متسقة مع الصوت، والحركات غير متناسقة مع الموقف، والمشهد غير مناسب للخلفية. شاهدت رجلاً يغسل وجهه وينظف أسنانه بالفرشاة. رأيت امرأة تغسل ملابس في وعاء كبير. سمعت صوت غيتار ينبعث من غرفة مكتظة، والغرف الأخرى أيضـاً مكتظة. امرأة من الكونغو ترقص على أنغام موسيقى شهيرة من بلدها. أشخاص ينتظرون دورهم عند الحلاق، أشخاص يسيرون هنا وهناك يحملون أكياساً بها أطعمة قليلة. أطفال يلعبون بما تيسر أمامهم في دروب المخيم. شخص يقطّع الحطب للتدفئة. جماعة التفت حول إناء على النار لإعداد مشروبهم المفضل وهم يتسامرون. مشاهد عادية لكنها تحدث في بيئة غير عادية على الإطلاق، وفي ظروف غير طبيعية البتة. وبصفتي غريبة عن المكان، تبادر إلى
يُطلق عليه اسم «جحيم الأرض». إنه مخيم موريا للاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية. لا توجد في هذا المخيم أبسط مقومات الحياة، فلا توجد مساكن بالمعنى المألوف، ولا بنية تحتية أو حتى شبكة مياه. لا يوجد بهذا المخيم من علامات الحياة سوى البشر، ففي مساحة صغيرة يعيش ألف لاجئ. 20 نحو «من الأفضل ألا نترك السيارة هنا، فقد حطمت عدة سيارات هنا من قبل». جاءت هذه الكلمات على لسان الفتاة التي قادتنا إلى المخيم حيث عملت هناك لسنوات. إنها تعلم تماماً ما يشكله عشرون ألف لاجئ مقابل ثلاثين ألفا من سكان الجزيرة. لا شيء سوى التوتر والاضطراب. قبل يومين من وصولنا، قطع بعض السكان وأعضاء من منظمات اليمين المتطرفة الطرق المؤدية إلى ليسبوس، حيث عمدوا إلى منع رجال الشرطة من جلب لاجئين جدد إلى مخيم موريا، ومنعوا طواقم الإغاثة الإنسانية من تقديم المعونات إليهم، وحاولوا منع وسائل الإعلام من نقل أي أخبار عما يجري.. «مرحباً... شكراً لكم»، قالت طفلة من سكان المخيم بطريقة راقية، وكأنها ولدت في مدينة أوروبية عريقة، قالتها وتغنت بها كأنها
287
286
Made with FlippingBook Online newsletter