الجزيرة وفن رواية المسكوت عنه
لم نرَ أي صحفيين أو أطقما إخبارية من محطات عالمية في مهاراشترا. لقد كانت الجزيرة وحدها هناك، لأنها تضع الإنسان على رأس أولوياتها وفي بؤرة تغطيتها. قضينا أسبوعاً كاملاً نقوم بالتصوير، نستمع لروايات الناس عن معاناتهم، والصعوبات التي يواجهونها من أجل لقمة طعام أو شربة ماء. ساعتها، شعرت بفخر شديد لأنني أعمل في شبكة إخبارية تحرص على إرسال فرقها إلى أقصى أطراف الأرض بحثاً عن الحقيقة، وسعيا لنقل صوت المستضعفين والمهمشين والمنسيين. ولأن الجزيرة تنقل الخبر بكل أمانة وموضوعية من كل زاوية، فإنها بذلك تروى ما يغفله أو يسكت عنه الآخرون، وتفعل ذلك بامتياز، لتكون الجزيرة بحق «منبر من لا منبر لهم».
إلا أن الحكايات الشخصية تضيع وسط الأرقام. تحدثنا إلى فلاحين وأخبرونا عن أقرانهم من القرويين الذين قتلوا أنفسهم بسبب عجزهم عن سداد ديونهم. والتقينا أيضـاً بعدد من «نازحي المناخ»، وهم فلاحون اضطروا إلى هجر قراهم ومزارعهم واستئجار سرير في غرفة مزدحمة لعلهم يجدون وظيفة ثابتة في أحد مصانع المدينة. التقينا أيضـاً بمن ظلوا في قراهم ولا حيلة لهم. انتقلنا بعد ذلك إلى إحدى القرى الزراعية التي لم يتبق فيها غير العجائز، بعدما هاجر شبابها بحثاً عن لقمة العيش وتفككت الأُسر وتقطعت الروابط العائلية.
لقد كان جدّي مزارعاً في ولاية (تيلانغانا)، ولهذا أنا مهتمة منذ صغري بمعاناة الفلاحين الهنود. ولعقود طويلة، يشهد القطاع الزراعي في الهند أزمة كبيرة لأسباب عدة، منها قصور ناتج المحاصيل بسبب التغير المناخي، وارتفاع مديونية الفلاحين وغيرها من الأسباب التي فاقمت تلك الأزمة. ألف مزارع انتحروا في 300 لهذا ليس من المستغرب أن أكثر من سنةً الماضية. يرجع السبب وراء انتحار نسبة 25 الهند خلال الـ عشرين في المائة منهم إلى قصور غلة المحصول بسبب التغير المناخي.
309
308
Made with FlippingBook Online newsletter