AJ 25th Book.

سيمفونية الجزيرة

وفي ظل عدم وجود أي مستشفى، ناهيك عن الأطباء المتخصصين، في هذه البقعة النائية، اضطر الكثير من أهل المنطقة إلى الانتظار لسنوات ليُجري عملية جراحية كهذه. صعدنا المركب، لنرى حركةً حثيثة ونسمع أزيزاً متواصلاً تماماً كخلية نحل. خُيّل إلي أنني في أحد أقسام الطوارئ في أحد مستشفيات نيويورك الكبيرة. تم تحويل سطح المركب إلى غرفة عمليات جراحية. بدأنا بتصوير الطبيب وهو يفحص عين أحد المرضى. فرغم أن العملية الجراحية بسيطة وسريعة، إلا أنها بلا شك تغير مجرى حياة من تُجرى لهم. تابعت سيدة عجوز تشق طريقها وسط الزحام، إحدى عينيها معصوبة، وابتسامة تعلو محياها، ويتطاير خلفها وشاحها الأصفر، يتموج كالتنين. هرعت خلفها وهي تغادر السفينة. رفعت السيدة وجهها ونظرت مباشرة إلى عدسة الكاميرا، قبل أن تضع يدها على كتفي هامسةً: «شيشو» وهي تعني باللغة البنغالية (يا ولدي)، لنتبادل بعدها أطراف الحديث أمام الكاميرا.

يبدو وكأن السيدة التي عاد إليها بصرها قبل قليل بدأت ترى مباهج الحياة، وبدأت تتفاعل معها الدلافين في تناغم غريب. هذه الصورة تعكس ببساطة حالتي حين بدأت العمل مع الجزيرة، كانت بداية رحلة جديدة من الحوار والانسجام والتناغم.

التفتُ إلى مياه النهر الغنية بالطمي، لأرى الدولفين الأعمى النادر الذي يشتهر به نهر براهمابوترا. وبدأت قطعان الدلافين تتراقص أمامنا، تقفز في الهواء لتتلألأ زعانفها تحت أشعة الشمس، وتعود لتغوص في أعماق النهر. تتحرك هذه الدلافين في سيمفونية رائعة، تعكس انسجامها المتقن وكأن هذا الحيوان المهيب ليس بأعمى.

313

312

Made with FlippingBook Online newsletter