الجزيرة وموراليس
كلاجئٍ سياسيّ، ليعود إلى دياره. سريعاً تواصلنا مع فريقه طلباً للقائه وتغطية رحلة عودته، فأبلغنا الفريق أن الرئيس رفض كثيراً من طلبات المقابلات لوسائل إعلام عالمية، لكنه سيوافق على منح الجزيرة هذا اللقاء قبيل رحيله من العاصمة بوينس أيريس. وبالفعل، توجهنا إلى العاصمة الأرجنتينية، واستقبلنا موراليس بنفسه على باب قصرٍ منحه له صديقه الرئيس الأرجنتيني الحالي ألبرتو فرنانديس، بثيابٍ بسيطةٍ وبتقبلٍ لطلباتنا لإجراء زيارةٍ خاصة وجولةٍ في مقر إقامته حيث يحزم حقائبه. أجرينا اللقاء الذي أكد فيه «انتصار الشعب أمام من أراد سرقة إرادته» وعلى قوة السكان الأصليين وتمكنهم من الدفاع عن مكتسباتهم. كما عّ عن تضامنه مع القضايا العربية المحقة التي شبهها بنضال الشعوب الأصلية في القارة اللاتينية كالقضية الفلسطينية، وفي الكواليس تحدثت له عن زيارتي لمنزله وشاهد تقريرنا حينها من داخله، ابتسم وقال «كانوا يظنون أنني لن أعود!». هي مفارقة عجيبة، أن نقوم بتغطية إسقاط حكمه قبل عام فقط، ثم عودته بهذا الشكل في ذات التوقيت. لكننا صحفيون، لا نملك أن نؤيد أو نختار أي طرفٍ دون آخر، منحنا الفرصة للجميع للحديث بتوازنٍ ونقلنا كلامهم بدقة. الثابت دائماً كان ولا يزال احترام إرادة الناس التي يعبرون عنها في صناديق الاقتراع.
عند دخولنا إلى غرفة نوم الرئيس السابق، استذكرت سريعاً مشاهد اقتحام منازل الحكام الذين تداعى حكمهم في عالمنا العربي، كليبيا والعراق واليمن وتونس وغيرها. كانت الوزيرة تريد أن يظهر المشهد على هذا النحو أيضاً. طلبت إجراء مقابلة معها وسألتها عن الرسالة التي تريد إيصالها من هذه الزيارة، فقالت «قبل أن تسألني أود سؤالك، هل يسكن الحكام في بلادكم في منازل مرفّهة من مال الشعب كهذا المنزل؟!» فأجبتها أنني لست بوارد إعطائها رأيي، فأنا هنا لأنقل ما يجري. فاشترطت عليّ أن أجيب حتى تجيب، فقلت لها «إن أردت الصدق، فأنا حتى الآن لم أجد إلا منزلاً عادياً بالنسبة لمنازل المواطنين في بلدنا بموارد أقل مما لدى بوليفيا، لكن قصور حكامنا شيءٌ آخر تماماً» وأريتها بعض الصور على غوغل، فوافقت بتلكؤ على إعطائنا المقابلة التي قالت فيها إن «موراليس لم يكن يريد للعالم أن يرى هذا الترف في مسكنه ونحن ننشره أمام المواطنين والعالم» مؤكدةً أنه «سيحاسب على كل ما أخذه من مال الشعب». خرجت من المنزل وأكملنا التغطية إلى أن توصل الفرقاء السياسيون إلى اتفاق على إجراء انتخابات بعد أشهرٍ لا يشارك فيها الرئيس موراليس. مرّت الأيام.. وبعد سنةٍ بالضبط شاءت الأقدار أن تجرى الانتخابات مرات بسبب جائحة كورونا، وبإشراف دولي 3 في بوليفيا بعد تأجيلها واعتراف من القوى كافة بالنتائج، فاز مرشّح حزب الرئيس السابق إيفو موراليس «لويز اكري» بالرئاسة بمجموع أصواتٍ أعلى مما حصل عليه موراليس نفسه في الانتخابات التي اتّهم فيها بالتزوير. قرر موراليس أن يحزم حقائبه ويرحل من الأرجنتين، التي مكث فيها
التقليدي وسط العاصمة. دخلنا مع عشرات الصحفيين، وبدأت وزيرة الإعلام تجول بنا في أرجائه. كنت أنتظر أن أرى «قصراً فارهاً مترفاً بكل ما تعنيه الكلمة» كما وصفت الوزيرة عند استقبالنا، وطلَبَت من الصحفيين أن ينشروا للعالم أين كان يعيش موراليس «من مال شعبه» لكن الحقيقة، ودون أي مبالغة -لا مكان لها في قاموسنا- لم أجد إلا شقّة واسعة ومنزلاً بتفاصيل بسيطة، فيه أثاثٌ لا يتجاوز ما هو موجود في منزلي العادي في بلدي، حتى إن بعض غرف المنزل كانت فارغة تماماً، وبعضها الآخر فيه خزنٌ بسيطة عليها مقتنيات الرئيس السابق.
في اليوم التالي، وعلى وقع أزيز الطائرات الحربية التي ملأت الأجواء ونفذت غارات وهمية فوق رؤوسنا عند ساحة البرلمان وقصر الرئاسة، أعلنت نائبة رئيس مجلس الشيوخ جيانيني انييز نفسها رئيسة مؤقتة للبلاد، وأكدت تطهير بلادها ممن وصفتهم «بالفسدة». في إشارة إلى الرئيس البوليفي الذي بدأ منذ خروجه وصف ما يجري في بلاده بالانقلاب. كنا قريبين جداً من الرئيسة المؤقتة عند دخولها القصر والتقطنا لها صوراً استثنائيةً وهي تحمل الكتاب المقدّس وتعلن طي صفحةٍ وبدء أخرى في بوليفيا. مبكراً في اليوم التالي دعتنا وزارة الإعلام في حكومتها المؤقتة لزيارة منزل موراليس الرئاسي، في مبنى ملاصقٍ للقصر الرئاسي
329
328
Made with FlippingBook Online newsletter