السر المبثوث
المحتوى الإعلامي الذي تنتجه، وأربك التغطيات التي تنفذها هذه المؤسسات، خاصة ما تعلق منها بالأحداث ذات الصلة بالأقليات العرقية. إن موظفي الجزيرة يرسمون في غرفة أخبارها «الأممية» لوحة فسيفسائية جميلة، تعكس تنوع خبراتهم التي تثري التغطيات اليومية والمحتوى الإعلامي الذي تنتجه الشبكة. هذا التنوع يعزز قدرة الجزيرة على الغوص في تفاصيل الحدث، وإدراك أبعاده واستشراف تداعياته. فلن تواجه صحفية بقناة الجزيرة الإنجليزية صعوبة في لفظ اسم مدينة أو قرية نائية في ليبيا لأن زميلا من هذه المدينة يجلس على المكتب المقابل.
السر المبثوث رئيس قسم الاتصال المؤسسي بالشبكة | محمد سيدي
إن سر الجزيرة مبثوث على شاشاتها، ولا يتطلب بحثاً طويلا، بل يكفي أن تزور غرفة أخبار أي قناة من قنواتها لتدرك أن تعدد ثقافات وجنسيات العاملين في الشبكة منحها قدرة أكبر على إنجاز تغطيات وبرامج تنقل الصورة الكاملة للحدث من كل أنحاء العالم. وبفضل هذا التنوع، استطاعت طواقم الجزيرة نقل القصص الإنسانية بعمق ومصداقية لا نراها في التغطيات والوثائقيات التي تنتجها مؤسسات إعلامية أخرى. هذه المؤسسات تركز غالبا على منطقة جغرافية بعينها، أو مجموعة سكانية دون غيرها، بسبب توجهات مموليها أو سعيا إلى استقطاب المعلنين. فبينما ينتمي موظفو الجزيرة إلى أكثر من تسعين بلدا، ويعملون من مدينة في أنحاء العالم، تقول دراسة أكاديمية نشرتها مجلة 70 حوالي ، إن غرف الأخبار في وسائل 2019 كولومبيا جورناليزم ريفيو عام الإعلام الأمريكية –الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية- تعاني من خلل بنيوي في مجال التنوع العرقي والثقافي. ورغم أن الأقليات بالمئة من المجتمع الأمريكي، لا تصل نسبة التنوع 40 تمثل نسبة بالمئة من طاقم التحرير. 17 العرقي في غرف الأخبار إلى وتؤكد نقابات مهنية أمريكية ومختصون أن هذا الاختلال في هيكل القوى العاملة في الإعلام الأمريكي وغرف الأخبار أثر سلبا على
قصص نجاح الجزيرة كثيرة ومتجددة، ويصعب أن يحدد باحث أو أكاديمي عاملا أو سببا جامعا يفسر هذا النجاح؛ فما حققته الشبكة -خلال ربع قرن- كان نتاج رؤية قيادية مستنيرة وعمل جماعي، آمن برسالة الشبكة وقيمها. ويبقى صحافيو الجزيرة والعاملون فيها العامل الأبرز في استمرار هذا الألق وتعزيز هذه الريادة. وتردنا بهذا الشأن أسئلة كثيرة من مشاهدي الجزيرة ومتابعي منصاتها، فمنهم من يسأل عن السياسة التحريرية الناظمة لعمل قنواتها التي تخاطب العالم بلغات مختلفة، وآخر يستفسر عن انتشار المكاتب وتوزيع المراسلين وأثر ذلك في قدرة الجزيرة على الوصول إلى مكان الحدث، وثالث يريد معرفة أبرز المحطات في تاريخ الشبكة والتحديات التي تواجهها، لكننا لاحظنا أن سؤالا واحدا يُطرح أكثر من غيره: ما سر تميز الجزيرة وريادتها؟ هل هو سقف الحرية المرتفع، أم الانتشار الواسع لمكاتبها وقنواتها في أنحاء العالم؟ لكن غالباً ما يدرك السائل أن هذه الميزات متاحة لقنوات ومؤسسات إعلامية كثيرة، لم تحقق ما أنجزته الجزيرة ولم تصل إلى مستوى حضورها. يُطرح السؤال مرة أخرى: إذن ما سر الجزيرة؟
379
378
Made with FlippingBook Online newsletter