عامانفي قمرة القيادة
لقد كشفت تحقيقات الجزيرة خلال السنوات الأخيرة قضايا فساد وفضائح سياسية كبيرة، حاول البعض إخفاءها سنين طويلة، ووصل صدى وثائقيات الشبكة الاستقصائية أرجاء العالم من أستراليا إلى الولايات المتحدة، وتصدرت مواضيعها عناوين الصحف ونشرات الأخبار، وحصدت جوائز عالمية مرموقة. وفي مجال التوزيع، توسعنا في إيصال محتوانا الإخباري لتمكين أكبر عدد من المشاهدين حول العالم من متابعتنا، ودخلنا أسواقا جديدة، عبر منصات البث وتطبيقات المحتوى الرقمي. رفعت هذه الاستراتيجية مستوى المشاهدة وساعدتنا في الحفاظ على الصدارة. ولم نغفل عن الجانب التكنولوجي والإبداعي. أطلقنا مشروعا متكاملاً للتحول التقني في كل قنواتنا ومنصاتنا، اعتمد أحدث ما توصلت إليه التكنلوجيا في مجال البث والتشغيل والإنتاج والبنية التحتية وإدارة الاستديوهات. وقد تضمن هذا المشروع الكبير تحويل أرشيف الشبكة -منذ انطلاقتها- إلى أرشيف رقمي متطور، مما سهل كثيراً عملية الإنتاج الإعلامي، وبات الصحفي في الجزيرة اليوم قادرا على الوصول إلى أي مقطع أو صورة في الأرشيف بضغطة زر واحدة. ولعل من أبرز التحديات التي أرى أننا حولناها إلى نجاح ونقطة انطلاق جديدة للشبكة، قدرتنا على بناء أسس للعمل بشكل استراتيجي، بناء على أفكار ومبادرات نابعة من رؤية مستقبلية تستشرف التطور المتوقع في مجال العمل الإعلامي، وتجمع بين الإنتاج الإعلامي التقليدي، إن صح التعبير، والإعلام الجديد المعتمد على المنصات الرقمية.
عامانفيقمرة القيادة المدير العام السابق لشبكة الجزيرة الإعلامية | الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني
الجزيرة ومديرو الأخبار في قنواتها يتعاملون مع هذا السبق بتأن ومهنية عالية. كانوا يدققون في كل كلمة وعبارة قبل الموافقة على بث الخبر على الشاشة، ويحرصون على التأكد من صحته من مصادر متعددة. لقد تعلمت خلال الفترة التي قضيتها بين كوكبة صحفيي الجزيرة وإعلامييها المخضرمين، أن من أهم أعمدة نجاح الشبكة وتفوقها المزج الفريد بين خبرة العاملين فيها والتزامهم التام بضوابط العمل الإعلامي وميثاق الشرف المهني الذي اعتمدته الشبكة منذ إنشائها. لقد كنت حريصاً إبان فترة إدارتي للشبكة على أن أبذل أقصى جهد ممكن لضمان بقاء الجزيرة في قمة الهرم الإعلامي العالمي، سواء كان ذلك من خلال اعتماد مبادرات ومشاريع جديدة تُحسن الشكل ولا تغفل عن تطوير المضمون، أو بتوسيع مساحة حضور قنواتنا ومنصاتنا جغرافياً، وإطلاق برامج وقنوات جديدة بلغات مختلفة. وفي هذا المسعى، عملنا على تأسيس وحدة متخصصة في الصحافة الاستقصائية، قدمت من خلالها الجزيرة نظرة معمقة لمواضيع وقضايا مخفية، في وقت يشهد فيه هذا المجال من العمل الصحفي قصوراً كبيراً على مستوى العالم، وعزوفاً من المؤسسات والقنوات الأخرى بسبب كلفته الباهظة والعقبات الكثيرة التي تعترض الصحفيين الساعين إلى سبر أغوار الملفات الشائكة.
أمضيت في إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية عامين إلا قليلا. وكان كل يوم فيهما يختلف عن سابقه. فالتحديات كثيرة ومتجددة، والعمل لا يتوقف لإنجاز الخطط والوصول إلى الأهداف المرسومة. كنا كلما حققنا إنجازاً وضعنا خطة للوصول إلى هدف جديد. في خضم تنافس محتدم مع مؤسسات إعلامية عالمية للوصول إلى الخبر وتحقيق السبق، وهو تنافس فرض علينا مواكبة التطورات التقنية المتسارعة في مجالات صناعة الإعلام المتشعبة. قبل أن أتولى مهمة إدارة الشبكة، كنت أعي أن الجزيرة مشروع إعلامي سابق لعصره. إلا أنني -كغيري من مشاهديها - لم أكن مطلعاً على تفاصيل هذا المشروع، والجهد الذي يبذل لتقديم المنتج المتميز الذي نراه على شاشاتها. فالمحتوى الذي تقدمه الجزيرة يعتمد على أكبر شبكة للتبادل الإخباري، تضم عشرات المكاتب المنتشرة في أنحاء المعمورة، ومجموعة مراسلين يعملون كخلية نحل لا تهدأ، وغرف أخبار تبث على مدار الساعة، يعمل فيها صحفيون ومنتجون يبذلون جهداً استثنائيا للتأكد من صدق الخبر والإحاطة بحيثياته وتداعياته، رغم مغريات الوصول قبل المنافسين. في الجزيرة الخبر الصادق الموثوق أولى دائماً من السبق. وأذكر أن أخباراً حصرية عاجلة كانت تردنا من مصادر خاصة. ورغم أهميتها، كان صحفيو
39
38
Made with FlippingBook Online newsletter