تغطية ميدانية في دارفور
تغطية ميدانيةفيدارفور منتج أولفي قناة الجزيرة الإخبارية | محمد الكبير الكتبي
في هذه الرحلة، كنت القائد للفريق، بمن فيه الفرقة العسكرية التي تتولى مرافقتنا وحمايتنا، حتى وصلنا النقطة الحرجة التي تقود لأهم معاقل التمرد في جنوب دارفور. عندها توقفت القوة العسكرية لعدم إصدار أي تعليمات لها بمرافقتنا أكثر من ذلك، فما كان مني إلا أن أمرتها بالانسحاب والعودة لقاعدتها وتحركنا حتى وصلنا للموقع الذي لم تطأه في ذلك الحين قدم لمسؤول حكومي أو مدني، سوى فرق إغاثة الأمم المتحدة ومنظمة أطباء بلا حدود، ويعيش فيها أهلها وضعاً إنسانياً بائساً لم أر مثله في حياتي، في ظل خطورة دائمة، حيث كان الجيش السوداني ينفذ حملة عسكرية جوية بشكل شبه يومي في كل منطقة جبال المرة الجبلية ومحيطها. هناك سجلنا اﻟﻬﺠﻤﺎت اﻟﻌﺸﻮاﺋﻴﺔ التي لا تميز بين مدني ومتمرد، فيما اعتبرته المنظمات العاملة في المنطقة جرائم حرب تستهدف المناطق المدنية، وشهدنا في هذه المنطقة بقايا احتراق ثماني قرى دُمرت بالكامل، وقريتْ لحقت بهما بعض الأضرار ولاذ سكانها بالجبال المجاورة. أتاحت لي هذه الرحلة الاطلاع على حجم معاناة الإنسان في ذلك الجزء من السودان. وجدنا عائلات تبقى أياما بلا طعام، ورأينا من يقطع مسافة عشرات الكيلومترات يوميا ذهابا وإياباً لجلب المياه. لفت نظري أننا كلما حاولنا إيقاف بعضهم للحديث معهم يهربون وهم يصرخون من الذعر والخوف، يظنوننا متمردين ويعتقدون أن الكاميرا التي نحملها هي مدفع للقتل.
استمرت شهراً من الزمان إلى إقليم دارفور بولاياته الثلاث. شملت الرحلة عبور مختلف مناطق التمرد ومواقع معسكراته المختلفة، وفي أكثر مناطق السودان وعورة، وجرت مطاردتنا من قبل المتمردين المسلحين في عدد من المواقع. الطريف في الأمر أن القوات الحكومية المنتشرة في تخوم الإقليم تطاردنا باعتبارنا من المتمردين، بينما يطاردنا المتمردون ويطلقون النار علينا في أكثر من موقع باعتبارنا من القوات الحكومية كما يظنون، فسيارات الدفع الرباعي التي تجوب تلك المناطق الخلوية الوعرة في ذلك الوقت لا يمتلكها إلا المتمردون أو قوات الحكومة. اكتسبت جولتنا مصداقية وتأييداً من مختلف الأطراف، وأيدت الحكومة مهمتنا وأتاحت لنا استخدام طائراتها التي تجلي الجرحى والأسرى. شهدنا أكبر عملية تبادل للأسرى في بلدة الطينة المقسمة بين السودان وتشاد. هناك التقينا، كأول جهة إعلامية، بقادة التمرد من الفصائل الثلاث، حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، والتحالف الفيدرالي. كان هذا التحالف سياسيا ويقود نضالا مدنيا كما يقولون. أخذتنا الجولة إلى جنوب دارفور، واخترقنا «بحراسة الجيش السوداني» مناطق أرياف جبل مرة التي احترقت بنيران الحرب ويتهم كل طرف من الطرفْ الآخر بارتكاب تلك المحارق.
تابعت الجزيرة التمرد المسلح على حكومة الرئيس السابق عمر ، والذي 2003 البشير منذ بدايته في الرابع والعشرين من فبراير عام كانت تقوده ثلاث حركات هي: حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة وحركة التحالف الفيدرالي. أقامت الحركات قواعد حصينة لها في مناطق جبل مرة بجنوب دارفور، وأغلب مناطق شمال دارفور المطلة على الحدود السودانية التشادية الشاسعة. وبعد وقت وجيز من انطلاق التمرد وبروز آثاره الإنسانية، خطرت لي متابعة هذه الأحداث المتصاعدة ميدانيا في جولة لمناطق حدوثها، في أجزاء إقليم دارفور المختلفة. شاركت في الأمر الزميل حسن إبراهيم ووجدت الفكرة استحسانا وتشجيعاً ودعما بلا حدود من رئيس التحرير ورئيس غرفة تحرير الأخبار حينئذ إبراهيم هلال، الذي تولى طرحها على المدير حينها عدنان الشريف. بدأت الرحلة الطويلة المتشعبة إلى السودان. كانت قصة سبق حققته الجزيرة وقدمته للحكومة السودانية وللأمم المتحدة ولحركات التمرد المسلحة ولإنسان دارفور. بدأت الرحلة بذهابي إلى مكتب الخرطوم. كان يضم حينئذ مصوريْن ومراسلْ أحدهما الزميل إسلام صالح، وكان يستشفي في الدوحة ويتولى إدارة المكتب المراسل الآخر الزميل الطاهر المرضي، الذي رشح المصور الزميل محمد حسن خليفة لمرافقتي في الجولة التي
83
82
Made with FlippingBook Online newsletter