استقصائيات الجزيرة
هذه التحقيقات تنوعت ما بين كشف المستور وإعادة سرد الروايات اعتمادا على شهود العيان، وصولا إلى طرح ملفات حساسة كانت من المسكوت عنه. وقد ساعد في ذلك انتشار التكنولوجيا التي سهلت الوصول إلى التسريبات والتسجيلات السرية وأصبح اقتناء أدوات بسيطة مساعدا كبيرا في إتمام العمل الاستقصائي، من مرحلة البحث إلى مرحلة التصوير. خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر البرنامج برزت نتائجه جلية من خلال ردود الأفعال التي تعقب كل فيلم نبثه. فكم من فيلم أصبح عنوانه (ترينداً) على وسائل التواصل الاجتماعي، وكم من موضوع تناولته وعلقت عليه جهات رسمية أو وسائل إعلام.
استقصائيات الجزيرة مدير البرامجفي قناة الجزيرة الإخبارية | إبراهيم حمدان
، وكان موعدا لبث فيلم (الرحلة 2013 كان أحد أيام شهر مايو ) أولى حلقات البرنامج التحقيقي الجديد آنذاك «الصندوق 1103 الأسود». بالنسبة لي كان هذا الفيلم مختلفا عن غيره من الأفلام التي أشرفت عليها خلال مسيرتي المهنية، فقبلها بعام تقريبا كنا نبحث عن نقطة انطلاق لتجربة جديدة نعزز بها حضور الأفلام الوثائقية الاستقصائية التي لم تغب يوما عن شاشة الجزيرة. أذكر في تلك الفترة نصائح زملاء لنا بتوفير الوقت والجهد والتركيز على التعاون مع صحفيين غربيين، لاسيما مع تردي الأوضاع والظروف الإقليمية. لكن تشجيع الإدارة واهتمامها منحنا فرصة أن تكون التجربة العملية هي الحكم، وهو ما كان مع هذا الفيلم حول كواليس وخفايا حادثة سقوط الطائرة الليبية المثير للجدل عام .1992 تفاصيل سريعة مرت في ذهني مع شارة الختام لهذا الفيلم الذي أدركنا لحظة انتهاء بثه، أننا على عتبة مرحلة جديدة تشهد عودة قوية للأعمال الاستقصائية الوثائقية. كان التحدي يكمن في تقديم محتوى مختلف ومميز يستكمل ما بدأته الجزيرة على مدار السنوات السابقة، في ظل ما تشهده بلدان كثيرة في المنطقة من توتر وصراعات جعلت من حرية العمل والحركة أمرا صعبا، بل مستحيلا في بعض الأحيان.
وكما أن المحنة تتحول أحيانا إلى منحة كما يقال، فقد خلق هذا التحدي فرصة وآلية عمل جديدة وفعالة للبرنامج، عبر فرق ميدانية أفرادها زملاءُ لنا أبدعوا في إنتاج عدد من الأفلام، أو بالتعاون مع فرق عمل ومنتجين مستقلين راهنت الجزيرة على حماسهم وكفاءتهم في ظل تلك الظروف الصعبة، فكانت النتيجة حالة متفردة على مستوى العالم العربي. أبرز ما ميز تلك المرحلة أنها جاءت عقب ثورات الربيع العربي وما صاحبها من سقوط أنظمة وكسر تابوهات وارتفاع لسقف الحريات وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. هذا كله شكل حافزا لتناول المواضيع التي تتناسب وملامح تلك المرحلة من قضايا الفساد وخفايا الأنظمة والمسئولين وفتح ملفات الأحداث السياسية الغامضة التي وُثقت برواية شهود عيان كتبت لهم النجاة وظهروا بعد تغيير الأنظمة وكسر القيود، كل ذلك تحت عنوان عريض هو كشف المستور وما أريد له ألا يظهر. بدأت تلك المرحلة ببروز (تحقيقات الجزيرة) التي استهلت بالكشف عن حقيقة موت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ثم تبعها مباشرة برنامج (الصندوق الأسود) الذي شكلت تحقيقاته حالة لافتة ومثيرة للجدل بالنسبة للمشاهد العربي.
93
92
Made with FlippingBook Online newsletter