143 |
مقدمة لازمت فكرةُ الحق الطبيعي في العدل والحرية تاريخَ البشرية وطموحها نحو تحقيق مجتمع قائم على العدل والإنصاف، وعكست معركة طويلة وصراعًا عنيفًا بين الطبقة الحاكمة وطبقة المحكومين. فإذا كان الإنسان قد خاض صراعات عنيفة مع الطبيعة في فجر الإنســانية، فإنه خاض صراعات أعنف مع الحكام والملوك في ظل نشــوء الدول عبر العصور بسبب طغيان هؤلاء. وهو الطغيان الذي تجسد من خلال أنظمتهم الجائرة القائمة على تصنيف الناس إلى أحرار وعبيد، مالكين ومملوكين. كان الحكّام في الغالب يدعون إلى سلطتهم وسيادتهم غير المحدودة باعتبارها مستمدة من الإرادة الإلهية، فيُقهر الإنسان باسم السلطة الإلهية، ويُمنع أبسطَ حقوقه الإنسانية، وكل من عارض الحاكم يعتبر مارقًا وخارجًا عن ســلطة الدولة، وبالتالي يُعد منحرفًا سياســيّا أقصى العقوبات بما في ذلك عقوبة القتل والإعدام، كما " يستحق " أو مجرمًا سياسيّا قد يُتهم بالإرهاب وبزعزعة النظام العام دون دليل أو إثبات. لقــد تطور المفهوم التاريخي للجريمة السياســية في علاقة وطيدة بمفهوم الإرهاب وجرائم النظام العام؛ حيث إن المجرم السياســي كان يزعج النظام السياســي القائم بأفكاره وطموحاته الخارجة عن السياق السياسي العام في الأنظمة الشمولية الأوروبية. مع أنظمة القمع والتســلط، بل كان يُرَحّل بين " المنحرف السياســي " فكثيرًا ما عانى ؛ حيث 19 وبداية القرن 18 الــدول طبقًــا لاتفاقيات دوليــة إلى حدود نهاية القــرن أصبح يستفيد من امتيازات شكّلت ثمرة لتطور مفهوم الجريمة السياسية؛ ففي العام المجرم " ، سَيَسُنّ المشرّع البريطاني قانون حق اللجوء إنقاذًا لمن يحمل وصف 1815 من بطش الأنظمة المتســلطة. وبعدها ستسير باقي الدول الأوروبية على " السياســي ، ألغت إسبانيا عقوبة الإعدام، كما ألغت فرنسا بدورها 1869 نفس النهج. وفي العام .) 1 ( 1884 فبراير/شباط 26 عقوبة الإعدام حين يتعلق الأمر بالجريمة السياسية، في علــى هذا الأســاس تداخل مفهوم الإرهــاب ومفهوم الجريمة السياســية، في ظل غموض الخلفية السياســية لكل من الجريمة الإرهابية والجريمة السياســية. ويسعى البحــث إلــى إبراز الحدود الفاصلة بين المفهومين خدمــة للفكر والفقه القانونيين، والوصول إلى مفهوم إجرائي ووظيفي للإرهاب يسعف الممارسة القضائية في التنزيل السليم للمفهوم.
Made with FlippingBook Online newsletter