145 |
قانوني حول المضمون السياسي للجريمة الإرهابية من جهة، والجريمة السياسية من جهة ثانية؛ حيث إن الدافع إلى الجريمة الإرهابية يُحتمل أن يكون هو نفســه الدافع إلى الجريمة السياسية. وعليه، قد يحق للإرهابي الاستفادة من نفس الامتيازات التي يســتفيد منها المجرم السياســي. من الطبيعي القول: إن الإرهابي يبقى إرهابيّا، ولا يمكــن التســاهل معه تحت أي مبرر كان، لكن مــن الناحية المنهجية والعلمية ليس من شــأن هذا كله وضع المشكلة على ســكة الحلّ، بل يجعل الموضوع/الإشكال أكثر صعوبة، خصوصًا عندما نحاول إفراغ الجريمة الإرهابية من محتواها السياســي وكذا التدقيق في توصيف الجريمة السياسية. إن الفرضية التي تؤسّــس للدراســة هي أن الصعوبات المفهومية ينبغي ألا تنســينا الأدوار الوظيفية للمفاهيم، خصوصًا في مجال الممارسة القانونية والقضائية، وأن من شأن ذلك ألا يعيق تدقيق المفاهيم وعزل بعضها عن بعض؛ ففصل مفهوم الجريمة الإرهابية عن الجريمة السياسية ضروري لحسم الغموض، وهو أمر لا غنى عنه من أجل صياغة سياسة جنائية عقلانية وفعالة لمواجهة ظاهرة الإرهاب. وعلى الرغم من أن الجريمة الإرهابية تشــترك مع الجريمة السياســية من حيث الباعث السياسي، إلا أن الأولى تُعرف باســتعمال العنف من أجل تغيير شــكل النظام السياسي، وهذا هو ســبب تجريمها قانونًا، بخلاف الجريمة السياسية التي لا يجري فيها اللجوء للعنف بالضرورة، وقد تتجلى فقط في المعارضة السياسية أو الاختلاف مع النظام الحاكم؛ السياســي. فمجرم الرأي أو " المجرم " الأمــر الــذي يحرم الإرهابي من امتيــازات المعارض السياسي يتعيّن ألا يخضع لأي عقاب، لأنه لا يستعمل العنف، لكن على أســاس ألا يدعو إلى اســتعماله. أما جريمة الحق العام فباعثها غير سياسي، ويكون الهدف من ورائها تحقيق مصلحة خاصة من خلال الإضرار بمصالح الجماعة. ب- منهج البحث يســتعين البحث في استقصاء الفرضية بالعودة إلى تاريخ المفهوم والحفر في بنياته، دون أن يغفــل الالتبــاس والتداخل الذي عرفه مفهوم الإرهاب في علاقته بالجريمة السياسية وجرائم النظام العام. لذلك يعتمد الباحث المنهج التاريخي بنَفَس تحليلي؛ حيــث إن الظواهــر الاجتماعية المرتبطــة بالمفاهيم لا تُفهَم فقــط بالنظر إليها في واقعهــا الحالــي، وإنمــا أيضًا بالنظر إلــى صيرورتها التاريخيــة، وتتبّع تطورها في
Made with FlippingBook Online newsletter