| 206
الجســدية. إنهم ليســوا منظِّرين أيديولوجيين محترفين، بل مهندسين بالفعل، من خريجــي الشــعب العلمية والتقنيــة ذات الصلة بعالم الفيزيــاء والرياضيات، من البارعيــن فــي توظيف اإلنترنت للدعاية السياســية واســتغالل منصات التواصل االجتماعي لتوجيه الرأي العام وجس اتجاهاته وتخصيب مشــاعره الســلبية تجاه النخــب التقليدية. إنهم جامعيون متخصصــون يضعون خبرتهم العلمية في قاعدة مشــروع يعبِّد طريق السياســي إلى صعود مدارج الهرم بناء على خطاب شعبوي فائــق النجاعة، ووفق رؤية تحول اللعبة السياســية إلى فرجة جاذبة للجمهور. ومــن هنــا يمكــن أن نفهم اختيار الكاتب لمقدمتــه، حين يعود إلى الوراء مراهنًا على تشــبيه فلســفي يبدو فيه الكرنفال محاكاة للعبة السياسة. فمن شرفة الشقة التي ، يبدو 1787 أقــام بها األديب األلمانــي، غوته، في العاصمة اإليطالية، روما، ســنة مشــهد رجال ونســاء يتبادلون األدوار، مواقف وتصرفات ضــد المعتاد والمألوف، فوضى إرادية حيث كل شــيء مباح، مزيج من االحتفالية والصخب الذي يصل إلى العنــف. يتأرجح الكرنفال بين التمثيل والحقيقة: حقيقة الطبائع البشــرية حين تتاح ) 1 للعامة اإلطاحة بالنظم والقواعد السارية بشكل رمزي.( هــذا البعــد الخطر، االنقالبي، هو ما حمل على إلغاء هــذه االحتفاليات في روما، خصوصًــا عقب الثورة الفرنســية، كي ال يتحول التمثيل إلــى فعل حقيقي، ثم عاد الكرنفال بقوة إلى المشــهد السياسي الذي بات يفرز قيادات مغمورة خارج الصف، نجوم والعصبة 5 شــبه مقنعــة. إنه الكرنفال الذي أنتج في إيطاليــا انتصارات حركة (إلى 2018 وتعيين رجل مثل جيوســيبي كونتي رئيسًــا للحكومة، في يونيو/حزيران ). ولعلها اللحظة التي استفزت الكاتب وهو يتأمل بالده في قبضة الشعبوية 2021 غاية بذاكرتها األليمة. يتحدث الكتاب عن مشهد كرنفالي ينتج شخصيات تقول الشيء ونقيضه في غضون ساعات، تدلي بمعلومات ومعلومات زائفة طول الوقت. الكذب ال يطيح بها بل قد يقويها ويدمر خصومها. يســتحضر ظاهرة ماتيو ســالفيني، وزير الداخلية اإليطالي، المتشدد الذي ينشر تغريدات يومية تلهب الخوف والكراهية ضد السود والمهاجرين، خصوصًا منهم المسلمين. إيطاليا مهد الشعبوية لكنها ليست استثناء، بل نموذجًا في طور التناسل عبر جغرافيات
Made with FlippingBook Online newsletter