215 |
الجســد والصور تتصدر النصوص واألفكار وجاذبية الســرد تتقدم على دقة الوقائع المقدمة للجمهور. األكاذيب سالح فعال ألنه يلتقط المخاوف والرغبات ويدغدغها. ال تكفي إدانة الموجة الشــعبوية لالنتصار عليها. يتغذى الكرنفال السياســي الحالي على معطيين ال يمكن القفز عليهما: الغضب العارم في األوساط الشعبية على خلفية األزمــات االقتصادية واالجتماعية، واآللة التواصلية النفاثة التي صُمِّمت في األصل لتحقيق غايات ترويجية تجارية، قبل أن تصبح في يد السياســيين أداة فتاكة ألولئك الذين يريدون زراعة الفوضى. إن جانبًا كبيرًا من التاريخ السياســي يتعلق بآليات تدبير الغضب وتأطيره. والمشكلة اليوم بعد اســتنفاد الدور الذي لعبته أحزاب اليســار هو غياب بدائل سياسية ناجعة للقيام بهذه الوظيفة. فالناخبون يعاقبون الزعامات واألحزاب التقليدية بااللتفاف خلف تنظيمات متطرفة، خوفًا من رهانات مجتمع متعدد األطراف. هناك بالطبع واقع مادي يستند عليه القادة الشعبويون، لكنه غير كاف لتبرير هذه الظواهر، فليس الفقراء مث ًل هم غالبية مساندي ترامب. ليست النخب وحدها التي تغيرت، بل الشعوب أيضًا. فكرة االنتظار والزمن تغيرت. التكنولوجيــا الحديثــة وفرت االســتجابة اللحظية عبر مختلــف تطبيقات الهواتف والشاشــات. في السياســة أيضًا يطلــب الناس إجابات فوريــة. ال يمكن فهم هذه التحوالت دون اســتحضار األبعاد النفسية للتكنولوجيا التواصلية التي تخصب لدى المستهلك نوازع الشك والنقص. الشعبوي يقنع الغاضب بأنه يفهم غضبه ويتفهمه. يستحضر دا إمبولي دراسة لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا كشفت أن معلومة زائفة في المئة من الحظ الحتمال تقاسمها عبر اإلنترنت، ألنها أكثر إثارة من الواقع 70 لها مرات زمن المعلومة الزائفة للوصول إلى 6 نفسه. يقول الباحثون: إن الحقيقة تأخذ يمكن لكذبة أن تقوم " شــخص. كأن في األمر تكريسًــا لمقولة مارك توين: 1500 . )11( " بدورة حول العالم في الوقت الذي تكون فيه الحقيقة بصدد انتعال حذائها كل الدراســات تبين أن فضاءات الشــبكات االجتماعية تســهم في تخصيب الصدام والغضــب، ليصبــح أحيانًا عامل إذكاء للعنف، المــادي أو الرمزي، أو هما معًا. ال أدل علــى ذلك من دور التواصل االجتماعي في التحريض على أقلية الروهينغيا في
Made with FlippingBook Online newsletter