217 |
عبر جغرافيات متعددة من أجل الخروج بتعميمات تحليلية لظاهرة صعود الشــعبوية في سياق األزمة المعلنة للديمقراطيات الغربية. من خالل جولة بانورامية واســعة التمثيل للشــعبوية الجديدة في صناعتها لتغيرات الخريطــة السياســية، يقود الكتاب إلى الخروج باســتنتاجات تــدق ناقوس الخطر بخصوص مســتقبل الديمقراطيات، ومعها مستقبل العالم، ومآالت العالقات الدولية والتوازنات الجيوسياسية وصو ًل إلى إشكالية األمن السلم واستقرار المجتمعات. من إيطاليــا، إلى الواليات المتحدة مرورًا بالمجر وبريطانيا وصو ًل إلى البرازيل، يحمل الكتاب على االقتناع بوجود موجة في ذروة االكتســاح، تفيد المؤشــرات بأن أمامها مجاالت عذراء أبعد للتمدد، على غرار بلدان الشــمال األوروبي وبلدان أخرى في غرب أوروبا من قبيل فرنسا وألمانيا وهولندا... التهديد أخطر من الداخل. ال تتأتَّى مشاعر الريبة واالرتباك في الديمقراطيات الغربية حصرًا من القوى الدولية الصاعدة التي تقترح أنظمة حكامة مختلفة، تُصنَّف في العقل الغربي على أنها ســلطوية. يكمن الخطر أيضًا وأساسًــا في انبثاق ديناميات سياسية مفترســة تضع أساسيات العملية الديمقراطية وقيم االجتماع السياسي وقواعد اللعبة االنتخابية وآليات التواصل بين النخب والجماهير موضع تساؤل ونفي وتجاوز. ثمة شــعور حقيقي في أوســاط العامة والنخب الفكرية بأن الشــيخوخة الديمغرافية ليست إال وجهًا من شيخوخة نظامية ومؤسساتية تكتب عناوين الوهن الذي تواجهه الديمقراطيات الغربية تجاه تحديات اجتماعية واقتصادية وثقافية من جيل جديد. لكن الخطر هو أن هذه الشيخوخة تغدو وقودًا سريع االشتعال بالنسبة لنخب جديدة من خــارج الصندوق، تعيــد إلى األذهان تجارب ما قبل الحرب العالمية الثانية بتياراتها اليمينية الشعبوية التي أودت بأوروبا إلى طريق االحتراق. يفقد الناس صبر التغيير، يملون االنتظار في عالم سريع التقلب، يغرقون في اإلحباط ويركبون طريق الغضب واالستياء تجاه نخب فاشلة فقدت القدرة على ابتكار الحلول للمــآزق االجتماعية واالقتصادية لعالم الحداثة وما بعدها. تظهر زعامات وتنظيمات جديدة متحفزة اللتقاط اللحظة الذهنية والنفسية الجماعية لصناعة كتل انتخابية ناقمة جاهزة لإلطاحة بالحاضر من أجل مستقبل موعود ترسمه شعارات تبسيطية وتعميمية لالســتهالك الواسع. يســهل بلورة خطاب نفاذ يقنع الفرد بأن اآلخر هو السبب في
Made with FlippingBook Online newsletter