| 30
باحثتــان عربيتــان، هما: مكارم الغمري من مصر ونعمات طه من الســودان، خدمة جليلة للثقافة اإلســ مية بتتُّبع هذا التأثير اإلســ مي في األدب الروسي، بجد وجلَد ). ونبَّهني أيضًا على هذه الروح المشرقية األديب والمترجم العراقي البارع، 57 علمي( عبد الله حبَّه، الذي نقَل أمَّهات من األدب الروسي إلى اللغة العربية. لكن الوشائج الثقافيــة ال تعني دائمًا التقارب اإلســتراتيجي، خصوصًا إذا وُجدت مناقضات دينية وثقافية أخرى لهذه الوشائج، أو مطامح سياسية إمبراطورية تتستَّر خلفها. ومهمــا يكن من أمر، فإن الصحوة الروســية التي يقودها فالديمير بوتين، واإلصرار األميركي على إقصاء روسيا وتحجيمها وحصارها، جعال الصدام بين القوة الروسية البوتينية الصاعدة والقوة األميركية األطلسية السائدة أمرًا ال مناص منه. وهنا صَدَقت شــراك " ، ونظرية أليســون عن " الواقعية الهجومية " نظرية األســتاذ ميرشــايمر فــي ؛ فالوطنيون الروس الذين يمثلهم بوتين سياسيًّا، ودوغين فكريًّا، يحسون " ثوســيديد اليوم بمرارة شــديدة تجاه توسُّــع الناتو في مجالهم الحيوي، ويعتبرون ذلك غدرًا بروســيا، واســتغال ًل للحظة ضعفها أثناء تفكك االتحاد السوفيتي مطلع التسعينات. أما األميركيون فلم يضيِّعوا فرصة قط الســتنزاف روســيا أو تطويقها، وجاءت حرب أوكرانيا الحالية تتويجًا لمسار التصادم بين الطرفين. وإذا كان بوتين قد وقع في سوء التقدير التكتيكي، باجتياحه أوكرانيا في هذه الظروف، ، 2008 آم ًل الحصول على مكاســب رخيصة، على نحو ما حصل في جورجيا، عام ، فإن ســوء التقدير اإلســتراتيجي األكبر جاء من 2014 وفي شــبه جزيرة القرم، عام األميركيين وحلفائهم األوروبيين، حين حشــروا روســيا فــي الزاوية، ودفعوها إلى حلف إســتراتيجي مع العمالق الصيني الناهض. فال هم ســمحوا لروسيا باالندماج في الحضارة الغربية، والتحول دولة أوروبية عادية على نحو ما أراد غورباتشوف، وال هم قبلوا بها إمبراطورية دولية طامحة، بل سعوا إلى إقصائها وتحجيمها في الحالتين. إن انتصــار روســيا في أوكرانيا صعــب، لكن هزيمتها مســتحيلة، بغض النظر عن المصاعب والمتاعب التي تواجهها، وهذا هو لب المفارقة الكبرى في هذه الحرب. والسبب في ذلك هو أن حرب أوكرانيا بالنسبة ألميركا حرب نفوذ، أما بالنسبة لروسيا فهي حرب وجود. فأوكرانيا تنتمي إلى النواة السُّالفية التي تقع في القلب من الرؤية اإلســتراتيجية الروســية، فض ًل عن أهميتها اإلستراتيجية لروسيا، جغرافيًّا واقتصاديًّا،
Made with FlippingBook Online newsletter