55 |
بالتنظير اإلســتراتيجي والمبادرات " المنفعِل " وال يــزال العالم اإلســ مي في موقع الذي يملك " الفاعل " اإلســتراتيجية التي يصوغها اآلخرون، وهو لم يتبوأ بعد موقع وعيًا جيوسياسيًّا واضح المعالم، رغم أن بِنْية الجغرافيا السياسية اإلسالمية وموقعها يمنحانها مكانة إستراتيجية عظيمة على الخريطة العالمية، يمكن استثمارها إذا تحرَّر التي يعيشها اليوم. فالعالم اإلسالمي " الحِزام المتصدِّع " العالم اإلسالمي من وضعية يقع اليوم في تقاطع النيران بين الشرق الصاعد والغرب السائد. وهو معرَّض لخطر بين شــرق متحفِّز للهيمنة، وغرب متشــبث بمواريثه " منطقة ارتطام " التحــول إلــى االستعمارية. إن الشــروخ التي تنفتح بين القوى الكبرى تمنح الشعوب الضعيفة هامشًا للمناورة، وقد دفع العالم اإلســ مي ثمنًا فادحًا لألحادية القطبية في العراق وأفغانستان، وفي ثــورات الربيــع العربي. وقد يفتح االنشــطار الدولي الجديد مزيــدًا من الخيارات التكتيكية أمام العالم اإلســ مي، مِن حيث القدرة على بناء مساحات ظرفية مشتركة مع هذا الطرف أو ذاك من المتنافسين الدوليين الكبار اتِّقاء لشرِّهم. ويبقى بناء قوة إستراتيجية إسالمية تمنح المناعة الذاتية للشعوب الحضارة اإلسالمية وتحصِّنها من االستباحة الخارجية هو الخيار اإلستراتيجي الصحيح على المدى البعيد. بيد أنه ال مناعة من غير وحدة. ووحدة اإلرادة اإلستراتيجية اإلسالمية ممكنة، على غرار وحدة اإلرادة اإلستراتيجية الغربية، بشرط قيامها بطريقة طوعية، وطبق معطيات الزمــان والمــكان واإلمكان. ولعل مما يعين على الوحدة والتحصين اإلســتراتيجي صعود دولة (أو مجموعة دول) محورية تقود العالم اإلســ مي. ويبدو أن تركيا من أحسن الدول تأهي ًل لهذه المهمة. وتوجد دول إسالمية أخرى قطعت شوطًا طيبًا في هذا المسار، كما توجد دول لديها اإلمكان الكامن لالضطالع بهذا الدور، بعد شيء من النضج السياسي واإلستراتيجي. فظهور بؤر إستراتيجية متزامنة صاعدة في العالم اإلسالمي أمر ضروري لإلقالع الحضاري من جديد. ليس من الحكمة السياســية مطالبة جميع الدول اإلسالمية باالنحياز المطلق للشرق أو للغــرب، لكــن وحدة اإلرادة اإلســتراتيجية تمنح العالم اإلســ مي القدرة على التعاطــي مــع الطرفين بندِّيَّة. ويبدو لنا أن االقتــراب التكتيكي من الصين قد يمنح العالم اإلسالمي فُسحة أوسع للمناورة في األمد المنظور، كما حدث خالل حروب
Made with FlippingBook Online newsletter