| 42
الصحف الورقية، لكنها لم تُقدِّم الحل األمثل إلخراجها من أزمتها. لقد أشــرنا إلى هذه اإلعانات لتوضيح جانب فقط من الفرق بين الصحافة في البلدان العربية والبلدان األوروبيــة المتقدمة، ففي أوج األزمة ســحبت بعض الــدول العربية اإلعانات غير المباشرة التي كانت تمنحها للصحف، وكأنها تريد بذلك التخلص من عبء ثقيل. إذا كانت الصحافة الورقية تعاني من األزمة في البلدان الصناعية المتقدمة، فإن وطأتها تختلف من بلد إلى آخر ومن صحيفة إلى أخرى. ويبدو أن الصحف اليومية تضررت منها أكثر من الصحافة المتخصصة والمجالت الشــعبية التي ما زالت صامدة، بهذا القدر أو ذاك، وتقاوم، بل إن بعضها استطاع الخروج من هذه األزمة. وبصرف النظر عن التباين في أوضاع الصحافة في البلدان الغربية، يمكن حصر أبرز أسباب أزمتها في الواليات المتحدة وفرنسا، فيما يلي: . إن النمط االقتصادي الكالســيكي، الذي ظهر في الثلث األول من القرن التاســع 1 عشــر، وتحكَّم في الصحف لمدة تزيد عن القرنين بدأ يلفظ أنفاســه األخيرة. لقد تمثَّل هذا النمط في تخفيض ســعر بيع الصحيفة في الســوق من أجل توسيع قاعدة قرائها المحتملين، واالعتماد المتزايد على عائدات اإلعالن في تمويلها. لذا قيل: إن الجريدة تباع مرتين في الوقت ذاته: مرة للقراء ومرة للمعلنين. لقد اســتثمر هذا النمط االقتصادي إلى أقصى حد، فأصبحت الصحف تباع للزبون الثاني فقط، أي المُعْلِن. وهذا ما تجسد في الصحف المجانية التي ظهرت في منتصف تسعينات القرن الماضي، ونُسِب لها الضرر الذي لحق بالصحافة نتيجة تراجع سوق اإلعــ ن في العالم، وتراجع نصيب الصحف من عائداته. ففي أميركا، على ســبيل % خالل الفترة الممتدة 60 المثــال، انخفض نصيب الصحــف الورقية من اإلعالن بـ ). وقد ترتب على هذا االنخفاض تراجع توزيع الصحف 88 ( 2008 إلــى 2000 مــن % في اليابان، خالل 2 . 52 % في أوروبا، و 5 . 85 % في أميركا، و 5 . 18 بالنسب التالية: ). وحتى الصحف المجانية ذاتها عانت من 89 ( 2007 إلى 2003 الفتــرة الممتــدة من هذا التراجع في أكثر من بلد. إن أزمــة الصحافــة في أميركا تاريخية وال ترتبط عضويًّا بشــبكة اإلنترنت؛ إذ تعود إلــى ثمانينــات القرن الماضي؛ حيث ظلت في يد العائــ ت الثرية التي توارثتها أبًا ، مما أغرى العديد 20 عــن جــد، وحققت بفضلها أرباحًا طائلة في منتصــف القرن
Made with FlippingBook Online newsletter