51 |
بقية الحقول، خاصة الحقل السياسي، ألننا نؤمن بأن الحقل االقتصادي الذي اعتبره بيير بورديو مُهدِّدًا الســتقاللية الحقل الصحافي في فرنســا، هو مجرد تابع للحقل السياســي فــي المنطقة العربية. وهذا ما يتجلــى بوضوح في مجال تمويل الصحف وتوزيع ريع اإلعالن عليها، كما ذكرنا آنفًا. إن تَشــكُّل الصحافة حق ًل قائمًا بذاته ومحافظًا على اســتقالليته ليس باألمر الهين، فقــد بيَّنت التجارب العالمية أن ذلك جرى ويجــري في ظل التوترات والتجاذبات والتصدي لهيمنة بقية الحقول االجتماعية على الصحافة. وأكبر عائق وقف في وجه تَشــكُّل الصحافة العربية حق ًل يكمن في نشــأتها في ظل الكفاح من أجل اســتعادة االستقالل الوطني. فاتسمت بطابعها التعبوي والتجنيدي، الذي يفضل األنواع الفكرية )المقال والتحليل(، على حســاب الخبر واالستقصاء. فالصحف العربية لم تولد في بدايتها من رحم الصحافة اإلخبارية اليومية وما تتطلبه من حرص على جمع األخبار، والتحري بشــأن صحتها، والســهر على آنيتها، وتطوير مهارات التعامل مع أكثر من مصدر للخبر والحفاظ على هامش من االستقاللية، ناهيك عن عدم الخضوع وحتى الخنوع للمصادر. لقد بدأت الصحف العربية مسيرتها صحفًا أسبوعية وشهرية ذات طابع سياسي وثقافي تميل لالضطالع بدور سياسي أكثر منه إخباري. فما نسمعه اليوم من مطالبة الصحافيين بتطبيق الديمقراطية في الصحافة العربية ال تعني، في الغالب، التشجيع على االستقصاء والبحث الحر عن المعلومات، وإنجاز التحقيقات الصحفية والريبورتاجات، ومساءلة ) بقدر ما تعني المساهمة في النقاش، وإبداء الرأي المعارض. 110 السياسة العمومية( ففي الجزائر على سبيل المثال، لم تنزعج السلطة في السابق من الرأي الناقد والموجه لرموز النظام، بمن فيهم الرئيس المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة، ذاته، بل جعلت هذا أو ينفون وجود ديمقراطية في الجزائر، لكنها كانت " يزعمون " النقد حجة ضد الذين هذه الصحيفة أو تلك وقامت بنشــر الوقائع الموثقة " تجرأت " تكشــر عن أنيابها إن التي تخالف الخطاب الرسمي، أو حاولت النبش في ملفات الفساد وتقديم الحقائق المشفوعة بالوثائق والشهادات في تحقيقات صحفية. إن عدم تمكُّن الصحافة في المنطقة العربية من بناء ذاتها حق ًل جعلها رديفًا لألحزاب السياســية إن لم تكن بمنزلة أحزاب، وتتصورها الســلطات العمومية كأنها كذلك، وتحاسبها على هذا األساس؛ إذ تطلب منها، صراحة أو ضمنيًّا، أن تكون أداة مساندة
Made with FlippingBook Online newsletter