العدد 1 يناير كانون الثاني 2023

53 |

مــع التَّطبُّــع الذي تحكَّم في مفاصل العمل في قاعــة التحرير في الصحافة العربية. فالصحافيون القادمون من مشــارب مختلفة والمالكون لمســارات حياتية وخلفيات ثقافية متنوعة، ينغمسون بسرعة في رتابة العمل التراتيبي الذي يبني عالقات تتقاطع فيها مصالحهم مع مصالح مصادر األخبار، ويستبطنون الرقابة الذاتية، ويتدربون على أشكال التعبير التقليدية. إنهم يمارسون اليوم المقاومة بهذا القدر أو ذاك ألي تغيير فــي قاعــة التحرير، وللمعايير والقيم المهنية الجديدة التــي تفرضها البيئة اإلعالمية ومتطلبات القراء واهتماماتهم المتنوعة. إن المواقع اإلخبارية وشــبكات التواصــل االجتماعي أصبحت تُنهِك أكثر الصحافة الورقية العربية ليس لقوتها التنافســية فحســب، بل لوقوفها الضمني أيضًا ضد كل المحاوالت الجادة التي تقوم بها بعض الصحف العربية في ســبيل ترســيخ بعض المعايير االحترافية. فتحليل محتوى ما تنشره بعض المواقع اإلخبارية الناشئة يكشف أن منتجهــا مزيج من العالقات العامة واإلعالن المبطن واألخبار المُضَلِّلة والملفقة " النقرات " نتيجة التســرع في نقلها، وخضوعها لمنطق الخوارزميات التي تهتم بعدد على المنشــورات وعدد المعجبين بها. إنه المنطق الذي يحدِّد نصيبها من عائدات اإلعالنات. ولئن كان هذا األمر ينطبق على المواقع اإلخبارية التي تطالب باالعتراف بها مؤسسات صحفية على غرار تلك التقليدية، فما تأثير مواقع الشبكات االجتماعية في المنطقة العربية التي تحوَّلت إلى سالح بيد مختلف القوى ذات الهوية المجهولة لتمييع العمل الصحفي وتلويثه؟ وهذا األمر يجرنا إلى التفكير في المفارقة التي ذكرها بيير بورديو، وأشرنا إليها أعاله، والمتمثلة في القول: إن الصحافة فقدت استقالليتها كحقــل، لكن تأثير نفوذها على بقيــة الحقول قد ازداد. ربما ينطبق هذا القول على القنوات التليفزيونية أكثر في المنطقة العربية، ألن القيمة االعتبارية للصحافة الورقية التي اكتســبتها في مرحلة النضال الســتعادة االستقالل السياسي قد تراجعت بعد أن تحوَّلت الصحف الورقية في العديد من البلدان العربية إلى أدوات الســلطة؛ تديرها -بشــكل مباشــر أو غير مباشر- كُتَل سياســية ومجموعات اقتصادية، وتستعمل لغة مشــفرة عن قصد ألن وظيفتها األساســية قد تغيرت؛ فلم تعد تروم إخبار الناس، بل تسعى إلى بعث رسائل مشفرة إلى جماعات الضغط في السلطة أو المعارضة، وأن .) 112 القراء ليسوا سوى وسيلة(

Made with FlippingBook Online newsletter