ثانيًا: الأسباب والأهداف السياسية تعد فكرة إقامة السدود الوطنية الكبيرة لتوليد الكهرباء إحدى القضايا التي اتفقت عليها كل الأنظمة المتعاقبة في إثيوبيا رغم التباينات الشــديدة بينهما باعتبارها قضية قوميــة يمكن تجميــع المواطنين عليها في مواجهة التحديــات الداخلية، والتهديدات الخارجيــة الحقيقية والمحتملة. وكانت البداية مع نظام هيلاسيلاســي الذي يعد أول من دشّــن فكرة التخطيط للسدود من خلال مكتب الاستصلاح الأميركي، وما ترشح سدّا في إثيوبيا، مرورًا بنظام منجستو، رغم إمكانياته المادية 33 عنه من مشاريع إنشاء الضعيفة، ونقص التمويل الخارجي، والحرب مع الصومال وغيرها، الذي بدأ في بعض المشــاريع الهيدروليكية التي تم الانتهاء من معظمها في ظل نظام زيناوي الذي شــهد . ((( عهده بداية التدشين الحقيقي لفكرة السدود، بما في ذلك سد النهضة وبالرغم من أن إثيوبيا لا تصرّح بهذه الأسباب السياسية؛ إذ يقتصر الحديث دائمًا على الأهداف الاقتصادية تحديدًا المتعلقة بالتنمية، إلا أن الباحث يمكن أن يستشفها من خلال رغبتها في مواجهة الهيمنة المصرية عبر هيمنة مضادة مستغلّة في ذلك تقدمها ونموهــا الاقتصادي من ناحية، والدعم الخارجي خاصة في ملف الإرهاب من ناحية ثانية، والتمويل الصيني تحديدًا كبديل لتمويل المؤسســات الدولية كالبنك والصندوق الدولييــن بســبب التحفظات المصريــة من ناحية ثالثة، وترويجها لفكرة الاســتخدام العادل والمنصف، وعدم الضرر الجســيم من ناحية رابعة، والســعي لتحقيق كل ذلك عبر خطوات أحادية الجانب ومن خلال سياسات الهيدروبوليتيكس وتأثيرها في عملية التفاوض من حيث تقديم بعض المعلومات وحجب بعضها الآخر، والسعي للدخول في قضايا فرعية والرغبة في إطالة المفاوضات مع اشتراط عدم توقف السد. وفي هذا الإطار، يمكن الاعتماد على مجموعة من المؤشــرات لاســتنباط هذه الأسباب والأهداف السياسية: أولها: توتر العلاقات المصرية-الإثيوبية في الفترة السابقة على السدّ؛ فقد شهد العقــد الأول من الألفية الثالثة بداية صعود الهيمنة الإثيوبية المضادة للهيمنة المصرية ، والتركيز الأميركي على 2001 فــي حوض النيل، خاصة بعد أحداث ســبتمبر/أيلول إثيوبيــا كوكيل عنها في القضاء على الحركات الإســ مية (الإرهابية) التي يموج بها (1) Menga, F., “Domestic and International Dimensions.ibid, P.713.
150
Made with FlippingBook Online newsletter