جئت إلى بولندا محمَّال بمشاهد سابقة من قصص اللجوء، لذلك لم يكن عصيًّا علي أن ألحظ الفرق. فلم أر هذه المرة شرطة متحفزة وال أسلحة مشهرَة، وال كالبا مدرَّبة وال أسالكا شائكة تحول بين الالجئين وبين العبور. " ميكي ماوس " في محطة القطار في وارسو يتنكر شرطي في زي شخصية الشــهيرة ترحيبًــا باألطفال وبأســرهم. وعلــى أرصفة القطارات عشــرات من المتطوعيــن يرحبــون بالالجئين األوكرانيين ويقدمون لهــم الماء والغذاء وقبل ذلك وبعده يغمرونهم بكثير من الدفء واألمان اللذين هما أعز ما يســعى إليه من خرج من بلده طالبًا النجاة له وألسرته. كل شيء يشي بأن البلد يفتح ذراعيه لالجئين. أعــ م أوكرانيا ترفرف في كل مكان، تقتســم الفضاء مع العلم البولندي، ومؤسسات الدولة وجمعيات حقوق اإلنسان تجندت كلها لخدمة الالجئين. ليس ذلك فقط، فكثيرون فتحوا بيوتهم الســتقبال الالجئين ليقاســموهم معاشهم وخبز يومهم. ذلــك أقــل ما يمكن أن نفعلــه من أجلهم! فليس هنــاك أمر على المرء " . يقول لي ناشــط بولندي في محطة القطار في العاصمة " من ترك دياره مكرهًا البولندية وراسو. أوشك أن أقول إن اإلنسانية بخير! لوال أني تذكرت أني كنت هنا قبل أقل من ســتة أشــهر. وشهدت صورة مختلفة تماما، رغم أن األمر كان يتعلق بالجئين ال تكاد أوضاعهم تختلف في شيء عن أوضاع الالجئين األوكرانيين. فهم أيضا فروا بحياتهم من حرب مدمرة أو من أزمات خانقة تعصف ببالدهم من سوريا أو العراق وحتى من أفغانستان. الجئون.. والجئون! كانوا بضعة آالف من بينهم أسر كثيرة ونساء وأطفال، وصلوا إلى بيالروسيا بتأشيرة قانونية بهدف االنتقال فيما بعد إلى البلد المجاور بولندا، ومن ثم البحث عن مستقر في أحد بلدان االتحاد األوروبي. لذلك لم يطل مكوثهم في العاصمة
111
Made with FlippingBook Online newsletter