ليسوا سواء.. اإلنسانية االنتقائية! لم يكن ممكنا أن أمنع نفســي وأنا في محطة القطار في وارســو من تذكر هذه المشاهد، فهي ال تزال غضة طرية في ذاكرتي، وال من تذكر مشاهد سابقة في قصص لجوء أخرى كنت شــاهدا عليها، أكبرها موجة اللجوء السوري عام . كانــت حينهــا مواقف الدول األوربية متباينة مــن قضية اللجوء وهو ما 2015 انعكس على سلوك حرس حدود كل دولة على حدة. لكن الرحلة كانت قاسية، بل ومميتة في كثير من األحيان. أشــد الدول فظاظة في مواجهة الالجئين الســوريين لحظتها كانت المجر. كان رئيس وزرائها فيكتور أوربان قد اكتشــف الوصفة الســحرية لتعزيز شعبيته " الغزاة الجدد " وضمان نجاحه في انتخابات مقبلة: تقديم نفسه حاميا للبلد من ومحافظا على نقاء القيم األوروبية. أنه يقول األشياء كما يعتقدها من دون أي محاولة لتلطيفها. " ميزته " كانت لم يكن يبحث عن كلمات أفضل لقول األشياء السيئة. من ذلك قوله مرة لوسائل . في إشــارة إلى أن " نحب الكباب ولكن لدينا ما يكفي منه في بلدنا " اإلعالم الالجئين السوريين سيحترفون بيع الكباب. وهــو موقف غريب ألنه ال أحد من الالجئين يرغب في البقاء في المجر. بــل كانت وجهة معظمهم ألمانيا التي فتحت لهم أبوابها، وعبورهم للمجر إنما كان اضطرارا أملته الجغرافيا. وبالفعل كان موقفه عصيًّا على التفسير! فهو يمنع الالجئين من الدخول بعد رحلة مميتة من بلدهم سوريا إلى تركيا ومن ثم ركبوا البحر إلى اليونان، ومن نجا منهم عبر الحدود اليونانية إلى صربيا فمقدونيا ثم المجر أمال في االنتقال إلى فيينا ومنها إلى ألمانيا. كان يمنــع الالجئين من الدخول باســتعمال القــوة، ومن دخل منهم يمنع من الخروج، حتى حوَّل البلد إلى ســجن كبير. كانت المجر أســوأ محطة في . كانت كلمة " البصمة " رحلة اللجوء. وأسوأ ما فيها بالنسبة لالجئين هو ما يسمى مرعبة لالجئين الذين أصبحوا خبراء في قوانين اللجوء مع طول رحلتهم واشتداد أزمتهم. تعود إلى اتفاقية دبلن التي تم توقيعها في دبلن بأيرلندا عام " البصمة " قصة
116
Made with FlippingBook Online newsletter