فالقرار الرســمي مدعوما بالموقف الشــعبي كان بمنح الالجئين الحقوق نفســها التي يتمتع بها البولنديون في العمل والصحة والتعليم وغير ذلك. كان يكفي أن يحصل الالجئ على رقم تسجيل خاص لتفتح بعدها أمامه كل األبواب ال فرق بينه وبين بولندي، وقد يكون له امتياز التعاطف الذي خلفته الحرب. قصص اللجوء الحزينة: مهما كانت بلدان الدنيا جميلة فبلدك أجمل! لكن مهما يكن الترحيب، فيوميات اللجوء قاسية. وال يعرف معنى اللجوء إال مــن كابــده. فترك الديار كرهًا تحفــه المعاناة مهما فُــرش طريقه بعبارات الترحيب. ألتقي الالجئة ناتانيا. تجاوزت األربعين. جاءت هي وابناها ورابعهم كلبهم. وحــده األب بقي فــي أوكرانيا. فقانون الحرب يفــرض على كل من كان بين الثامنة عشــرة والســتين من عمره أن يبقى في البلد استعدادًا لحمل السالح إذا دُعي إلى ذلك. ال تعرف ناتانيا أتفرح لنجاتها أم تحزن لما ينتظرها؟ أســألها عن رحلة اللجوء، فترد: الحال كما ترى. لم نكن نتصور أن يأتي علينا يوم نغادر فيه ديارنا. ال خطة لها لليوم التالي، وال تعرف أين ستولي وجهها. صحيــح أنها لن تبيت في العــراء كما حصل لالجئين قبلها. ولن تتعرض لها الشــرطة بالغاز المســيل للدموع، ولن تواجه خطر الغرق في البحر أو التيه في غابة ال تعرف للخروج منها ســبيال، لكن ال مفاضلة في المآســي! فاللجوء لجوء! المستقبل أمامها يبدو غير واضح واألسئلة كثيرة بدون أجوبة. تقول لي: مهما كانت بلدان الدنيا جميلة فبلدك أجمل! بيتك، ذكرياتك وتفاصيل صغيرة ال تعرفها إال أنت وأبناؤك ! هو ذاك طريق اللجوء. محفوف باأللم ومضمخ أحيانا بالدماء. تغادر ناتاليا إلى مركز لجوء مؤقت. وأعود إلى ما كنت فيه. يواصــل الالجئــون تدفقهم بوتيرة تتغير حســب ســاعات النهار ووصول القطــارات والحافالت القادمة من الجانب اآلخر من الحدود. لكن متى وصلوا
119
Made with FlippingBook Online newsletter