كتاب تغطية الجزيرة للحرب الروسية الأوكرانية

كان المتابع لقناة الجزيرة قد اطلع على كم كبير من المعلومات التي مكنته من أن يفهم األسباب والخلفيات التي أدت إلى اندالعها. ورغم أنني كرهت وقوع الحرب في نهاية المطاف فإنني كنت متصالحا مع ذاتي لما قدمته للمشاهد سواء يوم الحرب أو بعده؛ حينما اتخذت التغطية أبعادا إنسانية وعسكرية مختلفة جدًّا. كانت المسافات الطويلة التي قطعتها طيلة فترة وجودي في ميادين المعارك بأوكرانيا، التي امتدت على مدى ثالثة أشهر ونصف، من أشد وأقسى ما واجهني من متاعب، وأثقلت كاهلي وكاهل زميلي المصور لبيب جزماوي، رفيق الدرب. خاصة لمن اعتاد مثلي المسافات القصيرة نسبيا في فلسطين؛ إذ كنا نقطع يوميا كيلومتر على أقل تقدير، متنقلين من 500 كيلومترا و 350 مســافات تتراوح بين مدينــة إلــى مدينة ومن قرية إلى قرية في إقليم دونباس الذي قطّعت حرب عام أوصاله كليًّا وضاعفت مســافات التنقل بين مناطقه. أذكر أنني كنت يوما 2014 أعد تقريرا عن ضحايا الحرب ممن تعرضوا إلصابات جرَّاء األلغام أو مخلفات ، وقد كانت عناصر التقرير 2014 الصواريــخ التي لم تنفجر فــي مواجهات عام جاهــزة ومتكاملة باســتثناء أن أعثر على أحد ضحايا هــذه األلغام، وكان هذا الشــخص يســكن في ريف مدينة ماريوبول، حيث تطلّب الســفر إليه من مدينة كرامتورســك يوما كامال تقريبا؛ من الســاعة الثامنة صباحا حتى الحادية عشرة ليال، وذلك من أجل اســتخدام مداخلة له في التقرير ال تتعدى عشــرين ثانية. لقد كان أمر التنقل منهكا جدا، ال ســيما في قرى نائية تكاد تخلو من الناس، حتى إننا تســاءلنا في أنفســنا ونحن نسير كل هذه المسافة: من يعيش هنا؟ هل حقا ثمة بشر؟ هل نحن على األرض أصال؟! من أشد المتاعب والمآسي التي واجهتنا خالل التغطية؛ " الجنرال برد " وكان درجة تحت الصفر وأحيانا أكثر من 18 حيث كانت درجات الحرارة تتدنى إلى ذلك، خاصة حينما تصاحبها عواصف ورياح وثلوج كثيفة كانت تجعل الشخص الواقف أمام الكاميرا يتسمَّر رغم كل طبقات المالبس التي يرتديها. كنت أحيانا أصل إلى حد عدم الشعور بوجهي الذي كان يبدو كأنه أصيب بالشلل من شدة البــرد. أذكر يوما، وأنا في ضواحي مدينــة ماريوبول، أني اضطررت إلى إعادة تســجيل الوقفة أمام الكاميرا نحو عشــرين مرة، إذ لم أكن أقوى على أن أُطبق الفك العلوي على الفك السفلي، أو أن أنطق مخارج الحروف على نحو سليم

11

Made with FlippingBook Online newsletter