كتاب تغطية الجزيرة للحرب الروسية الأوكرانية

جزماوي؛ ال يهاب الصعاب وال المخاطر. أحيانا كنت ألتمس العذر لمرافقي في تردده؛ فاألوكرانيون، منذ أن وضعت الحــرب العالمية الثانية أوزارها لم يعيشــوا أهوال الحــرب. أجيال كثيرة منهم نعمت بالسالم والوئام. لم يعرفوا المعنى الحقيقي للحروب ولم يدركوا حجم ما تخلفه من دماء ودمار ومآسٍ. الحق أنه كان علينا أن نواجه أمرا آخر مع المتعاون والســائق وهو عامل الخــوف من الدخول إلى المناطق الخطرة التي تتعرض لقصف مثل زابوروجيا وخاركيف وغيرهما. كانت عملية اإلقناع تتطلب كثيرا من الصبر الذي بدأ ينفد. وكان علــي أن أوفّــق بين كثير من األمور اإلداريــة والميدانية في آن معا، وأن أحرص دائما على سالمة الفريق الذي يعمل معي، وأتأكد من كل شيء: الطعام، الوقود، وسائل اإلجالء من المنطقة على وجه السرعة إن اضطررنا إلى ذلك... وفي الوقت نفســه أحرص على تقديم رســالتي الصحفية بإتقان، سواء بالظهور المباشــر أو من خــ ل إعداد التقارير الميدانية، وفــوق كل ذلك كان علي أن أحاول تخفيف مخاوف أســرتي، وتبديد قلقهم الدائم، وأنا وسط معركة حامية الوطيس؛ وال ســيّما أنهم يعيشــون لحظة بلحظة حالة القلق والخوف، أما أنا الذي أعمل في الميدان فمنشــغل على الدوام، وال أعير الخوف أو الخطر، أو حتى الموت، الكثير من التفكير. خالصة القول: لم يكن ســهال أن أغطي حربا ليســت في وطني وال على أرضي، ولم يكن سهال أن أوفق بين العمل الذي أريد له أن يكون متقنا من جهة، وعامل الخوف والقلق ومواجهة الصعاب والتحديات من جهة ثانية، لكن حينما أنظر إلى الوراء أجد أن كل هذه األمور مجتمعة قد جعلت المهمة ليست مميزة التي ال تُنســى. بل أصدقكم القول: " تجارب العمر " فحســب بل تجربة من أهم إنني أرغب في أعماقي في أن تتكرر!

16

Made with FlippingBook Online newsletter