لم أكن أتوقع، كما لم يكن يتوقع 2022 قبل العشــرين من فبراير/شــباط كثيرون، أن الرئيس الروســي فالديمير بوتين سيفعلها، ويشن حربا على الجارة أوكرانيا، لكنه فعلها. بحسب الرؤية الروسية فإن هذه الحرب ليست فقط من أجل الخالف مع حكومة كييف أو ضمان أمن الناطقين بالروسية في إقليم دونباس بجنوب شرق أوكرانيا، ولكنها في المقام األول جزء من أمن روسيا القومي، وتأتي في سياق صراع إقليمي ودولي أوسع. تزايدت خالل األشهر التي سبقت الحرب المؤشرات على احتمال نشوبها، في وقت أصرَّت فيه دول غربية، وعلى رأسها الواليات المتحدة األميركية، على توقع موعد اندالع شــرارتها ونطاق تمددها وتفاصيل عسكرية أخرى تدل على أن معلومات دقيقة كانت متوفرة لدى أجهزة االستخبارات الغربية، وتزامن مرارا اإلفصاح عن تلك المعلومات مع إطالق تصريحات سياسية ودبلوماسية أمريكية على وجه الخصوص، كانت تحذر وتنذر، وتؤكد بين حين وآخر وجود عقوبات جاهزة، ســتُفرض على روسيا بمجرد شنها لتلك الحرب، في حين ظل الساسة الروس إلى غاية األسابيع األخيرة قبل الحرب، يستبعدون نيتهم التدخل عسكريا في هذا البلد، الســوفيتي الســابق، ويضعون كل ما يُفصَح عنه في الغرب ضمن إطار التحرشات السياسية التي تمهّد لتمدّد حلف شمال األطلسي، وفرض مزيد من العقوبات على موسكو. بل إن النفي الروسي وصل في أحيان كثيرة إلى حد السخرية. ، أي قبل عشــرة أشهر من إطالق روسيا 2021 في أبريل/نيســان من عام ، شــهدت المناطق المتاخمة لحدود أوكرانيا " عملية عسكرية خاصة " ما تســميه تحركات مريبة، اتخذت شــكل مناورات وإعادة انتشار وتوزيع لقطعات وألوية من الجيش الروســي. أكدت موســكو حينها، على لسان أكثر من مسؤول رفيع، أنها تتخذ تلك اإلجراءات ردًّا على اقتراب حلف شمال األطلسي من حدودها الغربية تارة، ووضعتها تارة أخرى في إطار األعمال الدورية التي تقوم بها عادة بهدف الوقوف على جاهزية قواتها المسلحة في المنطقتين الجنوبية والغربية من
33
Made with FlippingBook Online newsletter