تحدثــت مع بعــض المتطوعين القادمين من إســبانيا وأميــركا وبريطانيا والبرتغال وحتى من باكســتان ومصر والجزائر. أدهشــني هذا المزج اإلنســاني كيف جمعهم في هذه النقطة الحدودية بهدف واحد هو المساعدة. توقفت برهة عند البوابة.. ثمة عشرات المواطنين يدخلون، حاولت التحدث مع بعضهم غير أن الغالبية منهم ال تتحدث اإلنجليزية فاستعنت ببعض المتطوعين المترجمين، وعلمت أن معظم الواصلين من أوكرانيا ال يريدون التحدث عن تفاصيل الحرب ودهاليزهــا، لكنهم جميعا ضد الحرب والدمار، ويرغبون في العودة القريبة إلى ديارهم.. هذه النقطة كانت مشتركة بين الجميع كما هي الحال بالنسبة لكل نازح أو الجئ أو فار من بالده قسرا. على بعد عدة أمتار من البوابة خصصت منظمة اليونيســف خيمة لألمهات وأطفالهن لالستراحة. دخلت المكان وتحدثت معهن.. العدد األكبر منهن قدمن وحدهن وتركن أزواجهن هناك يقاتلون.. فالحكومة األوكرانية بدأت منع خروج الرجــال الذين هم في عمر الخدمة العســكرية نظرا للحاجة إليهم.. لذلك فإن حســرة أولئك األمهات على فراق أزواجهن كانت كبيرة، والســيما مع وجود أطفال.. كن قلقات من قادم األيام ومن تحملهن الوضع وحدهن. خيمة أخرى أعدت لألســر، رجاال ونســاء وأطفاال، ولم ينس من أعدوها تخصيص زاوية لتسلية األطفال. معظم الجالسين في تلك الخيمة حول المدفأة هم من كبار السن، كانوا فيما بدا لي األكثر حزنا، وكأن األقدار تتشابه في كل مكان، فالمسنون (اآلباء واألجداد) هم األكثر تمسكا وتشبثا بأرضهم، وال أظن أنــي أبالــغ إن قلت إنهم األكثر حبا ألرض الوطــن والديار. اتخذت لي مكانا في الخيمة يمنحني فرصة أكبر لقراءة وجوه هؤالء المسنين والمسنات.. مالمح الحزن والحســرة المرســومة على وجوههم تعيدني مجددا إلى العراق وسوريا وفلســطين ومصر وليبيا وكل بالد الشــرق التي عانــت ويالت الحروب وترك الديار.. هي الحسرة نفسها.. أما األطفال ففرحتهم ال توصف، يظنون أنهم في رحلة أو نزهة خارج الديار.. مندهشــون وسعداء، وال يفقهون من الحرب شيئا سوى السفر والترحال، وهو متعة لكل األطفال منذ نعومة أظفارهم. فارق كبير بيــن الجد والحفيد، األول حزين وبائس وقلــق من هذه الرحلة التي يخوضها
66
Made with FlippingBook Online newsletter