البيروقراطية الإدارية وآليات التدبير السياسي في اليابان

المقدمة تعد نهضة اليابان الاقتصادية من الرموز المتميزة في تجارب التحديث الآسيوية، فخلال عهد ميجي والسعي لبناء الدولة تم تبني سياسة الاقتصاد الموجه التي ساعدتها على تحقيق التنمية، ولم يتوقف النجاح على ذلك ولكن اســتمرت هذه الجهود بعد الحرب العالمية الثانية من أجل تجاوز الانتكاسة العسكرية فحوّلته من بلد مهزوم فقير المــوارد إلى عملاق صناعي ينافس اقتصاديات أكثر الدول تقدمًا، وأصبحت تســمية اليابــان مرادفة للجودة والنجاح. إن قصة التفوق هذه دفعت إلى الســؤال الذي يكاد يكون مفتوحًا: كيف فعلوا ذلك؟ كيف تمكنوا من القيام بهذا العمل الفذ؟ ولكن عند البحث عن الاجابة تقفز لنا المسوغات السهلة بأن الحكومة عملت على توفير ظروف النمو في الصناعات الاستراتيجية. ولكن هذا الجواب لا يمنحنا العمق الكافي لتفسير هذه الظاهرة غير العادية لأن عند تحليل عمل الحكومة ســنجد أن عدم الاســتقرار الوزاري هو الســمة الســائدة في الحياة السياســية، ففي هذه الحالة من المفترض أن انعكاســاتها تتمثل في عدم توافر الاســتمرارية للنمو، ولكن عنــد التمعن في القوى الأخرى نكتشــف أن دور البيروقراطية لم يكن يســيرًا فقد جدّت من أجل الحد من انعكاسات السياسة عليها واجتهدت من أجل توفير البيئة المناسبة لاستمرار النمو، أي -بعبارة أخرى- لا يمكن فصل البيروقراطية عن الإنجازات الاقتصادية، فاليابان تتمتع بواحدة من أقوى البيروقراطيات مقارنة بالدول الصناعية الأخرى، ويرجع ذلك مبدئيّا إلــى طبيعــة الأدوار التاريخية التي مرّت بها مع تطور المشــكلات المعاصرة وازدياد القضايا التي تعالجها وتعقد موضوعاتها فترســخ معها دور البيروقراطية التي تحولت إلى نخبة ارتبطت بشــبكة من العلاقات مع جميع القوى الاجتماعية وأصبحت القوة الثالثة مع المحافظين والشركات الخاصة وتعد نفسها الحامية الأولى للمصالح الوطنية. هذه المكانة جعلتها تدخل في شــد وجذب مع محاولات الإصلاح التي تقوم بهــا الحكومة من أجل التقليل من حجم البيروقراطية والانتقال إلى شــكل الحكومة المصغــرة إلا أن جهود الإصلاح اصطدمت بالتوجهات الحمائية لموظفي الوزارات؛ فهــم لا يريدون التخلي عن شــكل الاقتصاد الذي ســاعدهم علــى النهضة مرتين. وهنا، يُطرح التســاؤل حول حقيقة دور النخب الإدارية في التنمية وفي مجمل النظام

7

Made with FlippingBook Online newsletter