العدد 1 – يناير - كانون الثاني 2023

285 |

الجزيــرة مصدرًا ألخبار الثورة في كل المدن المصرية. وكان المتظاهرون في ميدان التحرير يشــاهدون قناة الجزيرة على الشاشات في قلب الميدان متجاهلين محطات التليفزيــون المحلية. في المقابل، كان المتظاهرون يحمون ويوجهون فريق الجزيرة. وهــذا بــدوره خلق عالقة متبادلة بين قناة الجزيرة والثــوار وكان ذلك في حد ذاته عامل قوة للقناة. وتؤكــد الدراســة أن أحد العوامــل التي تميز تغطية الجزيرة للثــورة عن غيرها هو نجاحها في إشــباع احتياجات الجماهير المعرفية والعاطفية في وقت كانت وســائل اإلعالم المصرية الرسمية تتجاهل الثورة وتنكرها. كما استجابت لتطلعات الجمهور بمواكبة آخر التطورات وفهم األحداث المعقدة والمعلومات السياسية. وهنا، خلصت الدراسة إلى أن انتشار قناة الجزيرة بين الشعوب العربية لم يكن نتيجة قوتها فحسب، بل نتيجة ضعف وسائل اإلعالم األخرى في إشباع احتياجات الجمهور للمعرفة. ولم تكن تجربة الجزيرة اإلعالمية رائدة من حيث الجانب التقني، وقدرتها على نقل الحدث بشــكل مباشر عبر شبكة من المراسلين تغطي العالم، ولكن أيضًا من حيث فلسفة التعامل مع األخبار، التي تختلف عن تقاليد اإلعالم العربي الذي لم يحرر نفسه من ســيطرة الدولة. فقد قامت الجزيرة منذ نشأتها بتلبية احتياجات الجمهور لمعرفة المزيد عن جميع أخبار العالم وأحداثه، وأعطت اإلنسان العربي على وجه الخصوص الحق في اكتساب المعرفة التي أخفتها عنه األنظمة السياسية. إن مساهمة الجزيرة في رفع مستوى وعي المواطن العربي على مر السنين بقضايا الفساد واالستبداد والفقر واألمية والبطالة وغياب مشــاريع التنمية البشرية واالقتصادية الحقيقية، مكَّنت الناس في النهاية من تحدي السلطة والمطالبة بحقوقهم عبر المظاهرات واالحتجاجات التي تراكمت ثم تحولت إلى ثورات. لذلك ترى الدراسة أن محتوى الجزيرة -بما في ذلك المقابالت مع بعض الضيوف- خالل الثورة المصرية كان أكثر من مجرد أخبار ونشرات وتقارير وتعليقات سياسية، بل شكَّل دلي ًل أو كتيِّبًا للثورة من أجل المشاهدين والثوار بمحتواه التنويري والتربوي. وخلصت الدراســة إلى أن تأثير الجزيرة علــى الثورة المصرية كان عميقًا، وتراكميًّا وليس فوريًّا. وعلى الرغم من أن الجزيرة لم تكن السبب الرئيس للثورة، فإنها كانت أحد أسبابها، ألن الناس ثاروا بفضل ما تراكم لديهم من الوعي.

Made with FlippingBook Online newsletter