العدد 1 – يناير - كانون الثاني 2023

| 50

فدرجة استفادتها المتباينة من اإلمكانات التي يتيحها الويب تشي بأنها لم تُسهِم كثيرًا في القضاء على هشاشتها، خاصة في غياب نمط اقتصادي بديل ناجع على غرار ما اللتان كشــفت إستراتيجيتهما أن األزمة " لوموند " و " نيويورك تايمز " قامت به صحيفتا التي مرَّتا بها يمكن تجاوزها. ويكشــف تحليل مواقع الصحف العربية أن الصحف الخليجية قطعت شوطًا متميزًا في استخدام العُدَّة المرئية لتكون أكثر قربًا من جيل القراء الرقمي. لكن نتساءل: هل إن تطورهــا مرتبــط بقدراتها الذاتية أم بما تتلقاه من دعم مادي؟ إن مبرر طرح هذا الســؤال يكمن في غياب البيانات االقتصادية التي تكشف عن دخلها من اإلعالنات ومبيعاتها واشتراك قرائها في نسختيها الورقية والرقمية. تأسيسًا على العوامل الفاعلة في هشاشة الصحافة الورقية العربية، وعدم بلوغها درجة التحكُّــم في خصائص صحافة اإلنترنــت في ظل غياب نمط اقتصادي بديل واضح المعالم، نجازف بالقول: إن أزمة الصحافة العربية هي مظهر من مظاهر صعوبة بناء الدولة الوطنية. وهذا القول ال يعني بتاتًا اختزال هذه األزمة في البعد السياسي، وفي غياب الديمقراطية تحديدًا، على الرغم من أهميته القصوى. إن االنتقال الديمقراطي ، وفي تونس ومصر في المرحلة 1991 إلى 1989 في الجزائر خالل الفترة الممتدة من التي تلت رحيل الرئيسين: زين العابدين بن علي وحسني مبارك، لم يُمَكِّن الصحافة مــن تجــاوز أزمتها. لقــد أُجْهِض هذا االنتقال دون أن يحقق شــروط هذا التمكين والمتمثلة في تبني سياسة عمومية شفافة ومُنصِفة لدعم الصحافة الورقية من االندثار، وحماية سوق اإلعالن من المحسوبية والوالءات السياسية واللغوية والعصبية، وإقامة نظام المنافسة الشريفة في قطاع اإلعالم، وجعل الصحافيين يتمتعون بأحكام الضمير، وإخضاع المؤسســات اإلعالمية لمحاسبة هيئات مســتقلة، وإخضاع مهنة الصحافة آلليات الضبط الذاتي، وغيرها من الشــروط األساســية التي تدير الصحافة باعتبارها حقًل بالمفهوم الذي ذكرناه في اإلطار النظري. لذلــك يمكن القول: إن اســتمرار هشاشــة الصحافة الورقيــة العربية في غياب أفق تطورها يمكن تفســيره بعدم تشــكُّلها حق ًل قائمًا بذاته ومســتق ّلًّ، والذي يُعبِّر عنه الصحافيون بالقول: إننا نعاني من غياب االحترافية، وإن خروج الصحافة من األزمة وضمــان انتقالها الناجح في البيئة الرقميــة مرهون بتكاثف الجهود لبناء هذا الحقل الذي يفرض على الجميع قيمه ومعاييره ونظمه. حقل يقاوم من أجل استقالليته عن

Made with FlippingBook Online newsletter