العدد18

13 |

مقدمة تتناول هذه الدراســة تجدُّد االنشــطار في النظام الدولي في العَقدين األخيرين، مع تركيز خاص على ما يفرضه هذا االنشطار الجديد من تحدِّيات على العالم اإلسالمي. وقد ذهبنا هنا إلى أن هذا االنشطار الدولي الجديد سيعمِّق انزياح القوة من الغرب األطلســي إلى الشرق اآلسيوي/األوراسي. ورغم أن هذه الظاهرة بدأت منذ عقود، وتســارعت منذ مطلع القرن الحادي والعشــرين مع النهضة االقتصادية في الصين، والصحــوة الدينية-القومية في روســيا، فإن حرب أوكرانيا الحالية ســتعجِّل بحركة التاريخ فيما يبدو، وســتزيد تســارع هذه الظاهرة الجديرة بالتأمل، التي سمَّيناها هنا . " شروق الشرق وغروب الغرب " ونحن ندين بهذا المصطلح البديع ألحد بُلَغاء اللغة العربية المعاصرين، هو الكاتب )، الذي استخدم هذا التعبير ضمن مقال 1968 - 1885 المصري، أحمد حسن الزيات ( دفاعًا عن فلســطين، ختَمه مهدِّدًا المســتعمر اإلنكليزي المتواطئ مع 1938 له عام وفلســطين كانت منذ أنشأها الله بالء على المعتدي، " االحتالل اليهودي لفلســطين: وشــؤمًا علــى الظالم. وقــد التقى عندها الغرب والشــرق مرَّة فــي عهد عمر [بن الخطــاب]، ومرة في عهد صالح الديــن [األيوبي]، فكانت العاقبة في كلتا المرَّتين ). وقد استخدم الزيات هذا التعبير المجازي ضمن 1 ( " غروب الغرب وشروق الشرق حديثه عن التدافعات الحضارية بين الشــرق اإلســ مي والغرب المســيحي، ونحن نستخدمه في سياق التدافعات والصراعات الحضارية الحالية. على أن المقصود بالشرق في عنوان هذه الدراسة ليس الشرق اإلسالمي الذي قصده الزيات في مقاله، بل الشرق اآلسيوي/األوراسي، خصوصًا الصيني منه، وال مشاحَّة في االصطالح. والسبب هو أن العالم اإلسالمي -بمنطق الجغرافيا السياسية- ليس جزءًا من الشــرق وال من الغرب، وإنما هو منطقة بيْنِيَّة وســيطة بين االثنين، وفضاء حضاري متميز له سماته الجيوستراتيجية الخاصة. وسنشرح مالمح الجغرافيا السياسية اإلسالمية فيما بعد. لقد انسكب الكثير من الحبر في األعوام األخيرة في الحديث عن صعود آسيا بشكل

Made with FlippingBook Online newsletter