العدد18

| 32

ويبدو أن الصينيين تعاملوا بحكمة مع ما دعاه أبو إستراتيجية االحتواء األميركية، جورج ،) 60 ( " عدم اإلحســاس باألمان المتأصِّل لدى القادة الروس " ،) 2005 - 1904 كينان ( بينما فشِل الغرب في ذلك التعامل. فجنى الصينيون ثمار حكمتهم السياسية ترسيخًا لصعودهم، وانشغا ًل للغرب عنهم، والتجاء من الروس إليهم. وهكذا لم يعد الشرق الصاعد هو الصين وحدها، بل الصين مدعومة بحليفها الروســي. لقد كان ماكيندر )، لكن الصين المحظوظة 61 ( " يخشــى أن تتمكن الصين في يوم ما من قهر روســيا " إســتراتيجيًّا -على ما يبدو- ليســت بحاجة إلى ذلك، فقد قدَّم الغرب روســيا إلى الصينيين على طبق من ذهب فارتمت في أحضانهم. وشــغل بوتين األميركيين عن الصين في مطلع العَقْد الثالث من القرن الحادي والعشــرين بإشعاله حرب أوكرانيا، سبتمبر/أيلول 11 كما شغلهم عنها أسامة بن الدن في مطلع العَقْد األول منه بهجمات الهوجاء، التي فتحت على العالم اإلسالمي أبوابًا واسعة من االستباحة اإلستراتيجية لم تنســد حتى اليوم. وهنا يحســن بنا االنتقال إلى موقع العالم اإلسالمي من ظاهرة ، التي أفَضْنا في شرحها فيما سلف من هذه الدراسة. " شروق الشرق وغروب الغرب " مورفولوجية العالم اإلسالمي وُلد اإلسالم في شبه الجزيرة العربية، عند تالقي القارات الثالث التي كانت أساس المعمور من األرض آنذاك، وهي آسيا وإفريقيا وأوروبا، ثم ساح من الجزيرة العربية مشــرِّقًا في جنوب آســيا، ومغرِّبًا في شمال إفريقيا، حتى انتهى العالم اإلسالمي إلى هيكله الجغرافي الذي نعرفه اليوم. وقد اندرجت شعوب عديدة في ظالل اإلسالم، وكان لكل منها إسهامُها الخاص في الحضارة اإلسالمية. وحافظ الفضاء الحضاري اإلســ مي على وحدته المعنوية وتناصره السياســي على مــدى القرون وإلى غاية العصــور الحديثة، رغــم تنوعه القومي والثقافي واللغوي، وانفتاحه على كل األديان والمِلَل والنِّحَل. ) من أهم الوثائق التاريخية الدالَّة على الوحدة 1377 - 1304 ولعل رحلة ابن بطوطة ( المعنوية والثقافية بين الشــعوب اإلســ مية، فقد وجد هذا الرحالة المغربي في كل األراضي التي زارها لغة مشــتركة وقِيَمًا مشــتركة مع أقوام مسلمين، يختلف أكثرهم عنه في العِرق والموطن والتقاليد، لكن تجمعه بهم عقيدة توحيدية كونية هي العقيدة

Made with FlippingBook Online newsletter