العدد18

| 56

التحرير الوطني منتصف القرن العشرين. وال يعني هذا االقتراب التكتيكي أن الصين أفضل في ذاتها من الغرب، أو أنها أقرب إلى الثقافة والقيم اإلســ مية من الغرب. فالغرب يشــترك مع الثقافة اإلســ مية في بعض المواريث الدينية، وفي جوهر القيم السياســية الديمقراطية. ولكن الغرب يملك من وســائل االختراق اإلستراتيجي في العالم اإلســ مي ما يجعله أعظم خطرًا، وأشــد ضررًا عليه من الصين التي ال يعكِّر عالقاتها مع العالم اإلســ مي ســوى تعاملها الفظ مع األقلية اإلســ مية فيها، وهو أمر يمكن إصالحه ضمن تفاهمات أكبر مع دول إســ مية ذات وزن. ومثل الغرب روسيا في اختراقها اإلستراتيجي للعالم اإلسالمي، وإن كان بدرجة أقل، وذلك بالنظر إلى نفوذها التاريخي في آســيا الوســطى، وما ارتكبته من فظائع في أفغانستان خالل الثمانينات، وفي سوريا خالل العَقْد األخير. والمؤكَّد أنه ال يمكن تحقيق استقالل القرار اإلستراتيجي اإلسالمي، فض ًل عن وحدة اإلرادة اإلستراتيجية اإلســ مية، مع وجود االختراق اإلستراتيجي الغربي والروسي الــذي عُمْرُه قرنان من الزمان. وال عجب أن صدَّرنا هذه الدراســة بحديث الكاتب أحمد حســن الزيات عن شروق الشرق اإلســ مي وغروب الغرب المسيحي على - 586 أرض فلسطين مرتين في التاريخ: األولى على عهد الخليفة، عمر بن الخطاب ( ). فال تزال القدس 1193 - 1138 )، والثاني على يد القائد، صالح الدين األيوبي ( 644 في قلب الصراع بين العالم اإلسالمي والغرب؛ حيث يصر الغرب على تهشيم البيئة اإلســتراتيجية اإلسالمية المحيطة بالدولة اليهودية التي أسَّسها ورعاها، وإبقاء العالم إلى األبد. " الحزام المتصدِّع " اإلسالمي -خصوصًا مهده العربي- في وضع وال يزال الغرب أيضًا يعبث بالمصائر السياسية للشعوب اإلسالمية، مستغ ّل مواريث نفوذه االستعماري التي ال تملك القوى الدولية الشرقية مثلها داخل العالم اإلسالمي، ويَجْهَد في حِرمان هذه الشعوب من أي تحول ديمقراطي يحقق لها استقالل قرارها اإلستراتيجي، كما رأيناه -وال نزال نراه- في تعامله الـمُرائِي مع ثورات الربيع العربي. فال مســتقبل للعالم اإلســ مي إال إذا وضَع حدًّا لهذا العبث الغربي بمصائر شعوبه وإمكانات دُوَله. ويومها ســيبدأ شــروق الشرق اإلســ مي -كما بدأ شروق الشرق اآلسيوي-األوراسي في أيامنا- ويندرج المسلمون بجدارة ضمن االنزياحات الكبرى . " شروق الشرق وغروب الغرب " في موازين القوى الدولية التي دعوناها هنا

Made with FlippingBook Online newsletter