أميركا في منطقة الشرق الأوسط وجوارها القريب، لتركز جهودها في المحيطين الهــادي والهندي على احتواء الصين. هذا التطــور جعل الدول الخليجية التي كانت تراهن على الصدام المسلح لتحقيق أهدافها؛ لا تعول على الغطاء الأميركي وما يعنيه من دعم عسكري ولوجستي واستخباراتي. وقد بدأت تأثيرات ذلك الانسحاب تظهر في حرب التحالف السعودي الإماراتي باليمن، الذي وجد نفســه يخوض المواجهة المسلحة منفردا، بل تحت ضغوط أميركية متزايدة لوقف الحرب. وقد دفع هذا التطور كلا من السعودية والإمارات إلى مراجعة سياســاتهما في المنطقة باتجاه تغليب التســويات على المواجهات المسلحة. أما قطر وعمان والكويت فقد كانت أسبق إلى اختيار نهج التسويات الســلمية، ولذلك وجدت نفســها أقدر على التأقلم مع التغيير الحاصل بســبب إعادة انتشار القوة الأميركية. وتعد قطر الأكثر استفادة من هذه المرحلة الانتقالية، فقد ساهمت في انسحاب القوات الأميركية والغربية من أفغانستان، ورعت المحادثات بين الإدارة الأميركية وحركة طالبان، التي مهدت للانسحاب، وحظيت بإشادة رسمية أميركية في أكثر من مناسبة، ثم أوكلت لها الولايات المتحدة رعاية مصالحها في أفغانستان. وقد باتت الدول الغربية، في عمومها، ترى في قطر قناة التفاوض المثلى مع القيادة الأفغانية الجديدة لإقناعها بمراعاة المصالح الغربية حتى تحصل على الاعتراف الدولي. بالتأكيد، رغم هذا الانســحاب التدريجي، لن تتخلى الولايات المتحدة عن منطقة الخليج كليّا، وقد عرفت قطر كيف تحصل على النصيب الأكبر من الالتزام الأميركي المتبقي. التطور الثاني مرتبط بعودة الديمقراطيين إلى الرئاسة في الولايات المتحدة، وما يعني ذلك من أهمية للديمقراطية وحقوق الإنسان في علاقات أميركا الخارجية. وقد تعززت هذه الأهمية بعد مرحلة ترامب التي كشفت أن الديمقراطية الأميركية عرضة لتأثيرات وتهديدات الأنظمة الاستبدادية الخارجية، وأن أفضل تأمين لها هو بالدفاع عنها في الخارج. وقد برز الموقف الأميركي إزاء هذه المســألة في دولتين عربيتين شهدتا انقلابين على مسارين ديمقراطيين هما تونس والسودان، حيــث التزمت الســعودية والإمارات فعليا بالموقــف الأميركي المعترض على استيلاء قيس سعيد على السلطة في تونس، وقيادة الجيش السوداني على السلطة
8
Made with FlippingBook Online newsletter