Together Apart-(A)

هل مات آدم وحواء قبل أن يضْحكا؟ إبراهيم نصر الله كاتب وأديب وشاعر أردني

صمتٌ... حتى أنني منذُ زمن بعيد لم أسمع نفسي بوضوح كهذا! في عزلتك تتأمل...

كأنّ الســدّ الــذي كان يحبــس خفّــةَ دم العالــم انهــار فجــأة، مــا إن أطــل فيــروس كورونــا برأســه؛ فقــد أصبــح منســوب الضحــك عاليًــا، بــل لعلــه الأعلــى مــن أي فتــرة عاشـتها البشـرية، دون أن ننسـى السـرعة الت ـي يت ـمّ فيهـا تب ـادل الطّـرَف عب ـر القـارات اليــوم. الســخرية هــي الشــقيقة الأجمــل والأصغــر للمأســاة، مــا دام الإنســان بــدأ حياتــه بمأســاتين كبيرتيــن، النفــي مــن الجنــة، والقتــل علــى الأرض. لا يسـتطيع أحـد أن يؤكّـد لنـا متـى ضحـك الإنسـان أول مـرة. أشـك أنـه ضحـك حيـن عثـر علـى ثمـرة وتذوقهـا، لأن خبرتـه مـع التفـاح كانـت مأسـاة؛ أقسـى تجربـة عاشـها حتـى ذلـك الحيـن، ولـم يـزل يعانـي مـن آثارهـا حتـى اليـوم. ول ـذا، أرجّـح أن ـه عـاشطوي ـاً قب ـل أن يضحـك؛ فمي ـاد سـالة جدي ـدة لآدم وحـواء لـم تسـتطع محـو ظـال مأسـاة قتـل قابيـل لأخيـه هابيـل، مـن روحيهمـا؛ لا بـد أنهمـا عاشـا مؤرّقيـن بمسـألة مَـن سـيقتل مَـن مِـنْ أحفادهمـا! لــذا، أقــدّر أن حــواء وآدم ماتــا قبــل أن يضحــكا، وأن أول الضحــك كان حيــن بــدأ الإنسـان يحـس أن باسـتطاعته تذكّـر المأسـاة التـي باتـت تفصلـه عنهـا مسـافة آمنـة، بحيـث لـم يعـد يخشـاها، لأن مسـافة الأمـان هـي مـا شـجّعتْه علـى اسـتعادتها ضاحـكًا، سـواء كانـت مأسـاة غيـره، أو مأسـاته، أو لعلـه ضحـك حيـن بـدأ ينسـى.

105

Made with FlippingBook Online newsletter