آدم والجائحة أسامة الصاوي محررومدقق لغوي وكاتب محتوى
لــم يكــن آدم المنصــور، هــذا الــذي أدرك زمــن العولمــة، وشــاهد الأقمــار الصناعيــة ومركبـات الفضـاء والصعـود إلـى القمـر، وعمّـت خطـى بنـي جنسـه كوكـب الأرض، فمـا تركـوا بقعـة إلا ولهـم فيهـا بصمـة، وظهـرت ثمـار كفاحهـم وعلمهـم وعملهـم جليةً، فـي البنـاء والتعميـر والتطـور والتواصـل والاكتشـاف، يتخيّـل أن يومًـا سـيأتي، يُخيّـم فيـه شـبح العزل ـة عل ـى العال ـم، فتُغل ِـق ال ـدول حدودهـا، وتنكفـئ الحكومـات تجت ـر جراحهـا وتـداوي آلامهـا، ويصيـر التباعـد والانعـزال هدفًـا، بعـد أن غمـرت الأجـواء فـي السـنوات الأخيـرة أحاديـثُ التقـارب والاندمـاج والتواصـل وتبـادل الخبـرات مـع الآخرين ومعايشـتهم. لـم يتخيّـل آدم أنـه سـيأتي يـوم تقـف فيـه دولٌ مـلءُ السـمع والبصـر عاجـزةً معلنـة عــدم قــدرة منظومتهــا الصحيــة علــى المواجهــة فضــاً عــن الســيطرة، وأن دور العبـادة سـتُغلق تحـرزًا فـي وجـوه روادهـا، والبيـوتسـتصبح مـاذًا آمنًا لأصحابهـا، وأن حظـر التجـول سـيكون مطلبًـا عالميّـا يجب تنفيـذه، وأن الخـوف والظنـون والهواجس سـتنتاب النـاسفـي كل مـكان، وسـيصبح القلـق ممـا يُخبئـه المسـتقبل القريـب ديدن الآدمييـن جميعًـا، وأن إحصائيـات الإصابـات الجديـدة بالكورونـا، وأعـداد مـن خلّفتهـم موت ـى ومتعافيـن، هـي الإحصائيـات التـي سـيتابعها الجميـع، بعـد أن ت ـوارت شاشـات البورصـات الماليـة وغابـت أرقامهـا. لـم يكـن آدم يتخيّـل أن شـيئًا ضئيـاً، لا يُـرى بالعيـن المجـردة، يغزونـا ولا نـراه، سـيصبح مصـدر رعـبٍ وفـزعٍ للبشـرية كلهـا، فيتخطّـى الحـدود متحديًـا، ويشـل حركـة الكـون، ويُعطــل دورة الاقتصــاد العالمــي، ويُوقــف رحــات البــر والجــو فتصطــف الشــاحنات والطائــرات فــي حظائرهــا، ويُغلــق المــدارس والجامعــات والمصانــع والهيئــات والمؤسسـات، ويُلقـي بالخطـط والصفقـات والأحـام جانبًـا، ثـم يُصيب الناس، فيسـكن أنفاسـهم، ويستشـري ف ـي حناجرهـم، ويُسـلمهم إل ـى المـوت. أدرك آدم أخيــرًا أن التخيّــات التــي كانــت شــبه مســتحيلة مــن وجهــة نظــره، باتــت
111
Made with FlippingBook Online newsletter