Together Apart-(A)

21 وبتنـا نسـمع كل يـوم عـن أعـداد جديـدة تدخـل دوامـة الجائحـة الشرسـة. وفـي آذار/مـارس، فـرض 24 آذار/مـارس، صـدر قـرار بغلـق جميـع دور العبـادة، أعقبـه فـي حظـر التجـول علـى الطـرق العامـة، وإيقـاف وسـائل النقـل والمواصـات، وغلـق كل الأماكـن الت ـي مـن شـأنها أن تُحـدث اختلطًـا، وطُل ـب من ـا البقـاء آمني ـن فـي بيوتن ـا، بعـد أن أصبحـت الجائحـة منجـاً يحصـد الرقـاب يومًـا تلـو يـوم. الآن، وبعــد مــرور نحــو شــهرين مــن عمــري فــي الحبــس المنزلــي (فقــد طبّقــت الشـركة لدين ـا ق ـرار الحظـر قب ـل فرضـه، ربمـا حفاظًـا علين ـا وربمـا توفي ـرًا للنفقـات)، أتذكّـر تلـك المكالمـة التـي جاءتنـي مـن رئيسـي فـي العمـل، فـي مطلـع آذار/مـارس، يخبرنـي فيهـا بمباشـرة العمـل مـن المنـزل تنفيـذًا لتعليمـات الشـركة، وبتهيئة نفسـي لمـا قـد يسـتجد (لـم أفهـم هـذه الجملـة الأخيـرة، ولـم أشـأ الاستفسـار عـن معناهـا). ومـع نهايـة الشـهر الأول، تقاضيـت راتبـي المعتـاد. وفـي أوائـل الشـهر الثانـي أُخبـرت بأنن ـي سـأتقاضى نصـف راتب ـي فق ـط، لأسـباب خارج ـة ع ـن إرادة الجمي ـع (أدركـت الآن المقصـود بـ«تهيئـة نفسـي لمـا قـد يسـتجد»). كانـت صدمـة كبيـرة، لأن نصـف الراتـب لـن يكفـي كل الالتزامـات، لكـن كالعـادة هوّنـت الأمـر بأنهـا مجـرد فتـرة ولـن تطـول. فــي بدايــة الحبــس المنزلــي، وضعــت لنفســي برنامجًــا يوميّــا أشــغل بــه وقتــي. فقسّـمت اليـوم، وكل يـوم، بيـن تأديـة العمـل (وكان قليـاً أساسًـا بفعـل مـا أصـاب السـوق مـن ركـود وكسـاد)، والق ـراءة، وقضـاء الوق ـت مـع أسـرتي أسـمع منهـم وأبادلهـم الحكاي ـات، وتصفّـح الإنترن ـت، ومشـاهدة الأفـام. تتخل ـل ذل ـك كل ـه فت ـرات تنـاول الطعـام، والنـوم، وأداء الصـاة. غيـر أنـي تعـوّدت، فـيصبـاح كل يـوم، أن أفتـح نافـذة غرفتـي المطلـة علـى مبنـى المصـل واللقـاح المجـاور، مُمنيًـا نفسـي بالحصـول علـى المصـل المكتشـف فـور توصلهـم إليـه (فالجيـران أول ـى بالمعـروف!). انهمكـت فـي تلـك الفتـرة فـي قـراءة مؤلفـات بعينهـا، رتّبتهـا تباعًـا كالتالـي: «مَـن لا عـزاء لهـم» لـ«كازو إيشـيغورو»، و«الكوميديا الإلهية» لـ«دانتـي»، و«الجريمة والعقاب» لـ«دوستويفسـكي»، و«ألـف شـمسسـاطعة» لـ«خالـد حسـيني»، و«الفـردوس علـى الناصي ـة الأخ ـرى» لـ«ماري ـو يوسـا»، و«يوتوبي ـا» لـ«أحمـد خال ـد توفي ـق»، و«الح ـب فـي زمـن الكوليـرا» لـ«ماركيز». أي ـام ب ـاردة ومُمل ـة وقاسـية، سـاقتني إل ـى مشـاهدة أف ـام غ ـزو الفضـاء ل ـ رض، ونهايـة العالـم، والزومبـي، والفـك المفتـرس، وسلسـلة الهوبيـت، ومملكـة الخواتـم، وأفـام الحـرب العالميـة الثانيـة (لا أحـد فـي العالـم فـي وقتنـا هـذا ينشـغل بالحـروب

113

Made with FlippingBook Online newsletter