Together Apart-(A)

خفــي جــاء كــي يســلب منــا ســعادتنا الماديــة والروحيــة. فالنفــس تشــتاق إلــى صــاة التراويـح فـي المسـجد، وإلـى الطقـوس التـي كنـا نقـوم بهـا أثنـاء صـاة التراويـح، وإلـى الصحبـة، والجمـع الكريـم، وإلـى تجمعنـا عقـب الصـاة لشـرب الشـاي والقهـوة، وخاصـة لأكل الحل ـوى الرمضاني ـة الشـهيرة مث ـل «الكنافـة والقطائ ـف». حي ـث كن ـا نفعـل ذل ـك كل ليلـة بعـد الانتهـاء مـن صلتنـا فـي مسـجد البلـدة الـذي كان قريـب جـدّا مـن بيتـي. عنــد آذان المغــرب، كنــت أذهــب لأؤم النــاس فــي المســجد لصــاة المغــرب، فأجــد «أبـو عصـام» المـؤذن مـا زال يشـرب فـي العصيـر بعـد انتهائـه مـن الآذان، فأنظـر إليـه فيبتســم لــي ابتســامة خفيفــة أفهمهــا أنــا بالطبــع حيــث يجــب علــيّ أن أنتظــره حتــى يفـرغ مـن شـرب العصيـر، حتـى يسـتطيع أن يقيـم الصـاة. وكنـت أرى الجـوع فـي عيـون المصلي ـن فأخفـف فـي صلت ـي. وفـي صـاة العشـاء، كنـت أدخـل المسـجد، فأجـده ممتلئّـا عـن آخـره، والجميـع ينتظـر الصـاة، مـا بي ـن قـارئ للقـرآن، وذاكـر لل ـه، وكان هن ـاك أيضًـا مـن يهمـس حاكي ًـا مـع مـن بجـواره. فقـد كان ـت هن ـاك مجموعـة مـن الن ـاس معروفـون بحبهـم للمـزاح فـي كل الأوقـات، أمثـال «الأسـتاذ مجـدي» الـذي يحـب أن يمـزح حتـى ونحـن بالمسـجد. وكان هنـاك الجـد «حسـن عمـران» الـذي كان دائمًـا مـا يشـكو منـي لأنـي لا أجهـر بالبسـملة في الصـاة الجهريـة، وكانـت لـه كلمـة شـهيرة يقولهـا لـي أنـا ومـن يوافقنـي الـرأي: «حـرام عليكـم، لي ـه مـش بتقول ـوا بسـمالله الرحمـن الرحي ـم، يعن ـي انت ـوا بتفهمـوا أكت ـر مـن الرادي ـو؟». وكان هن ـاك أيضًـا الدكت ـور عب ـد المجي ـد، وال ـذي كان أسـتاذًا بجامعـة الأزهـر الشـريف، وال ـذي كان يمتعنـا ب ـدرس فقهـي بيـن صـاة التراوي ـح مـن كل ليلـة. وكان ـت هنـاك الكثيـر مـن الذكريـات الجميلـة التـي تدمـع لهـا العيـن ويشـتاق لهـا القلـب، والتـي ترتبــط بصــاة التراويــح فــي مســجد البلــدة. ولكنــي هــذا العــام لــم أر شــيئًا مــن هــذه المواقـف الجميلـة، حيـث لا صـاة تراويـح بالمسـاجد، ولا تجمعـات، بـل والجديـر بالذكـر أن الجـد «حسـن عمـران» قـد توفـاه الله، ولذلـك لـم يعـد رمضـان هـذا العـام مثـل الأعـوام السـابقة. فقـد فقدنـا الأحبـاب، وفرقنـا الفيـروس، ولا ملجـأ مـنالله إلا إليـه. كل هذا جعلني أكره الفيروس اللعين فوق كرهي له! كنـا نعـد وليمـة كبيـرة كل عـام. حيـث كنـا ندعـو لهـا كل أصحابنـا، ومعارفنـا، وجيراننا، وبالطبـع فقـراء البلـدة فـي إفطـار جماعـي. وكان هـذا اليـوم هـو أسـعد يـوم بالنسـبة لـي، فعلـى الرغـم مـن أنـي لا أسـتطيع أن أتنـاول إفطـاري إلا بعـد صـاة العشـاء، بسـبب وقوفـي أنـا وإخوانـي حـول المائـدة لخدمـة المدعويـن علـى الإفطـار، إلا أننـي كنت أشـعر

15

Made with FlippingBook Online newsletter