Together Apart-(A)

ين الذاكرة والآن... � ب أمل لينجاوي كاتبة قطرية

فـي الذاكـرة: مـن بعـضذكريـات الطفولـة، قمـت نهـارًا علـى بـكاء ابنة عمـي وقلق أمــي الواضــح! أبــي كان كالنحلــة يــدور فــي كل أرجــاء المنــزل، يــا تــري مــا الحاصــل؟ حاول ـت أن أسـأل ولكـن مـا مـن مجي ـب. ث ـم زادت المكالمـات الهاتفي ـة بي ـن الأهـل، التلفزيــون لا يُغلــق أبــدًا والجرائــد مبعثــرة كل مــكان! وقعــت عينــي علــى العناويــن فجـأة! غـدر الجـار بالجـار والحـرب قادمـة! الآن: فـي زمـن آخـر وبعمـر مختلـف، فـي مـكان بعيد خـارج حدود الوطـن لإجـازة قصيرة، كنــت أتمشــى مــع صديقاتــي وإذا بالهاتــف لا يصمــت، الرســائل تنهــال مــن كل قريــب صديــق وحتــى بعيــد! أمــل، ارجعــي البــاد! غيــري رحلتــك؟ قدمــي الموعــد ولــو ســاعة! ولأن ـي لا أتاب ـع الأخبـار وأنقطـع تمامًـا عـن العال ـم وقـت الإجـازة، ل ـم أسـتوعب الحاصـل! فلجـأت إلـى الجريـدة الإلكترونيـة هـذه المـرة، وإذا بالخبـر: غُـدر بالعالـم، وتفشـى الوبـاء! فــي الذاكــرة: أهلنــا، أحبابنــا، خليجنــا... كلــه! مــا الحاصــل؟ شُــل الجيــش وتبعثــرت القــوى الأمنيــة، أغلقــت الحــدود مــا عــدا الطــرف البــري الملصــق للخليــج، المذيــاع لا يصمـت، أخب ـار وأخب ـار ث ـم أغـان وطني ـة، وأن ـا للحي ـن غي ـر مسـتوعبة لمعن ـى غ ـزو أو غــدر! لكنــي عرفــت أنــه بالتمســك والإصــرار ترجــع الديــار. الآن: قدمـت رحلتـي، عيـون النـاس خائفـة مـن بعضهـا، ولا أحـد يريـد أن يقتـرب مـن الثانـي، أكبـر التهـم الحيـن صـارت كحـة فـي مـكان عـام! وصلـت البـاد وأغلـق المطـار فـي اليـوم التال ـي! وانتشـرت القـوى الأمنيـة، أُرهـق الطاقـم الطبـي. التلفزي ـون ثاب ـت علــى القنــوات الإخباريــة، الرســائل تتناقــل أعــداد الإصابــات اليوميــة والنــاس تتناقــل أغـانٍ وطنية...«لأجـل الوطـن كلن ـا فـي البي ـت». اختلفت الأزمنة واختلف العدو، لكن بقي الغدر عاملً مشتركًا. أرهقـت الجهـاتِ الرسـمية محـاولاتُ إنقـاذ وفـرقطـوارئ، بحـث وتقصـي. بقـي الخائن واحــدًا؛ لا يتبــع الإجــراءات أو يستســلم للعــدو ويبلــغ عــن الأهــل، فــي الأولــى يوصــل لهـم الجيـش وفـي الثانيـة يوصـل لهـم المـرض!

173

Made with FlippingBook Online newsletter