Together Apart-(A)

أيامكورونا يرتاج السر � أم طبيب وروائي سوداني

حيـن وصلنـا إلـى مرحلـة دقيقـة فـي انتظـار، مـا قـد يفعلـه فيـروس الإبـادة الجديـد: ، الـذي يحمـل اسـمًا شـبيهًا بأسـماء المقاتـات الحربيـة، والصواريـخ بعيـدة 19- كوفيـد المــدى، وغيرهــا مــن أدوات الفتــك، أغلقــت معظــم الــدول أجواءهــا وحدودهــا، ومدارسـها وجامعاتهـا، وتوقـف العمـل المباشـر فـي الدوائـر والقطاعـات الحكوميـة والخاصـة، أو تحـول فـي الدوائـر المهمـة إلـى العمـل مـن البيـت مـع توفـر الإنترنـت. وظهـرت مـا سـميت: بالدعـوة إلـى العزلـة، أي أن يعتزل النـاسفي أي مـكان بعضهم، يعتزل ـون الشـوارع وأماكـن التسـوق، وكل مـا يمكـن أن يجمهـر الن ـاس، ويجلسـون فـي بيوتهـم، ينشـغلون بالعمـل عـن بعـد، إن كان لديهـم عمـل لا بـد مـن إنجـازه، أو بـأي شـيء آخـر حتـى ينجلـي ذلـك الكابـوس، وتعـود الحيـاة إلـى طبيعتهـا. والحـق أن كابــوسكورونــا ليــسكأي كابــوس، فربمــا هــو الأضخــم الــذي يمكــن أن يحضــره، ويعي ـش في ـه إنسـان العصـر الحدي ـث المدج ـج بالتكنولوجي ـا. هن ـا لا تطـور يفي ـد، ولا تكنولوجيـا تسـتطيع الحـد مـن جنـون ذلـك الغـزو المجنـون. العزلـة فـي حـد ذاتهـا بغـض النظـر عـن وجـود وبـاء أو عـدم وجـوده، لفـظ كئيـب، ولطالمـا كانـت تذكرنـي دائمًـا بالسـجن الانفـرادي، حيـن يعـزل أحدهـم حتـى مـن بيئـة السـجن العادي ـة، ويوضـع فـي مـكان صغيـر ضيـق، ملـيء بالوسـاوس والكوابيـس، والحشـرات الضـارة، وأظـن أنـه إجـراء متبـع عـادة لمثيـري الشـغب فـي السـجون، مـن المحكوميــن بجرائــم شــتى، فالســجن لا يصلحهــم أو يهذبهــم، أو يســتخرج منهــم مواهـب مدفونـة فـي الأعمـاق تنمو بعـد خروجهـم، بل يظلـون مجرمين ومشـاغبين. قـد يسـتخدم هـذا الإجـراء أيضًـا ضـد السـجناء السياسـيين، الذيـن يعارضـون سـلطات مـا فـي بلدهـم، وذلـك لإذلالهـم وكسـر شـوكتهم، والـذي يقـرأ روايـة: تلـك العتمـة الباهـرة، للمغربـي: الطاهـر بـن جلـون، ومـا حـدث فيهـا للبطـل عزيـز بنيـن فـي سـجن تزمامـارت، يـدرك فعـاً معنـى أن تكـون معـزوً مرتيـن، مـرة داخـل سـجن، ومـرة أخـرى داخـل قفـصفـي ذلـك السـجن.

175

Made with FlippingBook Online newsletter