Together Apart-(A)

(كورونيّـا) بامتيـاز، وسـيدخل هـذا بقـوة فـي دائـرة الفكـر الإنسـاني والتاريـخ إلـى يـوم يبعثـون، تحـت عنـوان: (مناعـة الجماعـة، أو مناعـة القطيـع، أو التباعـد الجماعـي). هـل أدرك الإنسـان، لحظـة وهـو يعيشفي عصـر العلم والعولمة وثـورة المعلومات وغـزو الفضـاء والتواصـل عبـر وسـائل الاتصـال بـكل تجلياتهـا (العالـم قريـة صغيـرة)، وفلسـفات مـا بعـد الحداثـة والتفكيكيـة وغيـر ذلـك، أنـه سـيموت، ولكـن هـذه المـرّة بطريقـة لـم يألفهـا مـن قبـل، أو يسـمع عنهـا ولـم يعـرف كيـف هـي. ٌفهل صح قول الشاعر: تعددت الأسباب والموتُ واحد منْ لم يمتْ بالسيفِ ماتَ بغيره ُأم صح قول الشاعر: وَعُـمّرت أُمّـهَـا الـعَـجُوْز كَـمْ غُـودِرَتْ غـَادَةٌ كـَعَـاب نعـم، أصـرح بالقـول: إنّ هـذه الأحاسـيس والمشـاعر واللحظـات المكانيـة والزمانيـة وأنـا فـي المنـع الجماعـي عشـتها بإنوجـاد أصيـل ووجـود خائـب معًـا، كيـف؟! لا أدري. بـل أحسسـت بهشاشـة الوجـود الإنسـاني وفشـله وضعفـه وإحباطـه رغـم مـا يمتلـك مــن عقــل جبــار وعلــم ســبر أغــوار الطبيعــة والكــون، أمــام وبــاء فايروســي لا يــرى بالعيــن المجــردة. حتــى وقــف أمامــه هــذا العقــل حائــرًا لا يعلــم مــا يفعــل، فقــرر الانسـحاب مـن المعركـة حفاظًـا علـى وجـوده بـأي صـورة مـن الصـور، فباشـر بالمنـع والحَجْـر حـاّ لهـذا الغـزو الـذي لـم يفـرق بهجومـه بيـن قـوي وضعيـف وغنـي وفقيـر ورئي ـس ومـرؤوس وعال ـم وجاهـل وخي ّـر وشـرير، والتجـأ يطل ـب العـون مـن كل مـا يمنحـه هـذا العـون حتـى وإن كان قبـل ذلـك يسـخر منـه ويعـدّه حـاّ خرافيّـا لا يغنـي ولا يســمن مــن جــوع. وأصبــح الإنســان يســعى جاهــدًا وبقــوة طلبًــا لســد حاجاتــه الغريزي ـة مـن طعـام وشـراب فـي مسـكن فحسـب، وغـاب عـن ذل ـك بقي ـة الحاجـات لأنهـا أصبحـت حاجـات لا قيمـة لهـا فـي الزمـن الكورون ـي. لقــد أحسســت، بقــوة وعمــق التجربــة الوجوديــة، أن المنــع القســري والتباعــد الاجتماعـي، قـد جعـل التفكي ـر بالقـراءة والكتاب ـة اللتي ـن همـا هويت ـي الأصيل ـة، قـد أصبحتـا هلميـة سـائلة (وهـذا مـن لغـة مـا بعـد الحداثـة)، لأنـي مقصـور فـي المـكان ذاتــه، والزمــن الــذي فقــدت معــه الشــعور النفســي بصيرورتــه وســيلنه وتغيــره. حت ـى، وأن ـا أعي ـش فـي وسـط عائل ـة مـن زوجـة وأبنــاء وأحفـاد، أحسسـت أن لغـة المنــع والابتعــاد عنهــم يجــب أن تشــملهم، ليــس خوفًــا علــيّ بقــدر مــا هــو خــوف

184

Made with FlippingBook Online newsletter