عصـور خلـت أن سـرّعت بالتغييـر الحضـاري، وليـس أدلّ علـى ذلـك مـا قام بـه «الطاعون الأسـود» فـي العصـور الوسـطى مـن تعجيـل بقلـب التوازنـات الدوليّـة وتأثيـر في نسـق إحــال عصــر النهضــة الأوروبيــة وتدشــين قيــم جديــدة علــى أنقــاض قيــم قديمــة. ولعـلّ مـا يحـدث الآن مـن متغيّـرات قـد تقـود إل ـى مراجعـات كبـرى للقيـم السـائدة، فقـد ترت ّـب علـى فـرض الحجـر فـي البيوت ذل ـك التفاعـل اليومـي لحظـة بلحظـة بيـن الـزوج والزوجـة وبيـن الوالديـن والأطفـال، وهـو وضـع جديـد قـد يكـون لـه مـردوده الإيجابـي أو العكـسصحيـح، وولّـد الحجـر أيضـا مراجعـة ذاتيّـة للأفـراد بشـأن التعامـل مــع الوقــت وكيفيّــة الاســتفادة منــه رغــم أنّــه ســيكون للبعــضمدعــاة للقلــق والمعان ـاة النفسـية والفـراغ، ولكـنّ امتـداد الحجـر سـيكون لا محال ـة فرصـة لا تقـدر بثمــن يجــب اســتغللها روحيّــا بالتقــرب إلــىالله والتأمــل وممارســة العبــادة وحفــظ الق ـرآن وتوظيفهـا دنيوي ّـا للق ـراءة ف ـي تخصـص المـرء وتحسـين قدرات ـه، أو لق ـراءة عامـة توسـع مداركـه وتث ـري معارفـه وبممارسـة الرياضـة، وكلّهـا فـرص ل ـم تكـن متاحــة مــن قبــل لضيــق الوقــت بمــا يحســن مــن قــدرات الفــرد الذهنيــة والبدنيــة فينتهـي الحجـر وقـد أصبـح إنسـانًا جديـدًا فـي الشـكل والمضمـون واكتسـب عـادات جديـدة يسـير علـى منوالهـا فـي المسـتقبل. سـيكون العال ـم بعـد كورون ـا عل ـى المسـتوى الشـخصي والمسـتوى العـام عالمًـا مختلفًـا، فليكـن الحجـر الـذي فرضـه القـدر وسـيلة للسـتعداد للتعامـل مـع عصـر مـا بعـد كورون ـا، بمـا يحمل ـه مـن تغيي ـر فـي قي ـم المعامـات ونمـط العي ـش. ولنعتب ـر أنّ هـذه المرحلـة الوسـطى بيـن زمنيـن، أشـبه باختبـار لأنفسـنا ولمجتمعاتنـا، فالحيـاة كلّهـا اختبـار ولكـن مـا أعظـم أن ينجـح الإنسـان فـي الاختبـارات الكبـرى، ومـا أروع مـا تسـطّره دولـة مـا مـن ملحمـة فـي صفحـات هـذا الكتـاب حيـن تنجـح فـي هـذا الاختبـار الأكبـر، وليـس أدلّ علـى ذلـك مـا تعيشـه بـادي قطـر التـي امتحنهـا الله بظلـم ذوي القربــى بحصارهــا، فاعتبــرت هــذا الحصــار تحديًــا عليهــا أن تتعامــل معــه بثقــة فــي الله وثقـة النفـس ورؤي ـة واضحـة المعال ـم وتلحـم بي ـن القي ـادة والن ـاس، وتعلمـت الــدروس مــن هــذا التحــدي وولّــد لديهــا خبــرة فــي مواجهــة الأخطــار. فــكان هــذا الامتحـان خيـر مناعـة فـي مواجهـة الوبـاء، فوضعـت الخطـط وأعـدت للخطـر عدتـه واتخـذت مـن الشـفافية مـع النـاس والعالـم الوسـيلة المُثلـى للتعامـل مـع الجائحـة، وتنـادى المواطـن والمقيـم للتجـاوب مـع الخطـة ومـن خالـف أو تراخـى أخـذت الدولـة بيــده بقــوة القانــون وأثبتــت مؤسســاتنا الأمنيــة والاقتصاديــة والإعلميــة تكاتفهــا
190
Made with FlippingBook Online newsletter