Together Apart-(A)

ثقيلـة إلـى عمـري. مـا إن أفـرح قليـاً باسـتعادة نضـارة وجهـي حتـى تصفعنـي عينـاي. عينـي اليمنـى ت ـرى انعـكاس عينـي اليسـرى فـي المـرآة وقـد شـابتها حمـرة... حمـرة لـم أكـن أبالـي بهـا مـن قبـل، فأنـا واحـد مـن الملييـن المصابيـن بالضغـط. الآن صـارت حمـرة العيـن لا تجـد تفسـيرًا لـدي إلا ضمـن أعـراضكورونـا... صـرت أعطـس أكثـر مـن اللـزوم، لا أعـرفشـيئًا بشـأن كـم يلـزم الإنسـان من عطسـة فـي اليـوم أو فـي الأسـبوع أو الشـهر؟ وكـم مـن مئـات الآلاف مـن الجراثيـم المُعديـة التـي خرجـت مـن فمـي أثنـاء هـذا العُطَـاس المتكـرر؟ أتحسـس الكمامـة فـي عنقـي، كمـن يتحسـس مسدسًـا، وأسـتدرك لأنـي نسـيت أنـي وحـدي ولا مـن يعديـه عطـس ولا مـن يمرضـون وينتهـون... هـل هـو تنبي ـه؟ أن ـي أثن ـاء العطـس موضـوع نميمـة مـن الأصدقـاء، كمـا تقـول خرافـات بقاي ـا الثقاف ـة الوثني ـة ف ـي المكسـيك وإيطالي ـا وأوروب ـا الشـرقية؟ لكن من أين يجيء هذا التعب الذي أحس به؟ أمــن ســاعات الجلــوس أمــام الحاســوب؟ الجلســة غيــر الســليمة تقــوس الظهــر وتؤلمــه وتســبب الإرهــاق. ؟19 أليسهذا التعب من علمات الإنذار المبكر للإصابة بكوفيد أمـا عـن السـعال، فقـد صـار يخيفنـي، كيـف أبتعـد عنـي حتـى لا يصلنـي رذاذ سـعالي؟ ولكونـي فـي فتـرة حجـر صحـي، فقـد اجتهـدت وتمرنـت علـى كبـت السـعال الـذي يلـم بـي أحيانًـا، أصبحـت أسـعل فـي داخلـي، فـي سـري، سـعاً ذهنيّـا. مـن غيـر رذاذ مرشـح لنقـل العـدوى، ولا يحـس بـه غيـري، ونسـيت أن أجـرب الاتصـال بالطبيـب لأسـأله هـل مـن ضـرر فـي كبـت السـعال. هكـذا نقضـي سـاعات يومنـا، ننـام ونصحـو علـى كورونـا، لـم يجـد النـاس يومًـا، منـذ ب ـدء الخليقـة أنفسـهم مجتمعي ـن عل ـى التفكي ـر فـي موضـوع واحـد، كمـا نعيشـه هـذه اللحظـة، نشـرات الأخب ـار عل ـى القن ـوات والفضائي ـات والمواقـع غزاهـا واحتلهـا الفيـروس الشـرس، أقفلـت الأجـواء، صـارت المطـارات صحـاري موحشـة تعـوي فيهـا الريـاح كذئـاب موجوعـة، ويلعـب فيهـا الغبـار مـع الأتربـة والحصـى لعبـة «خـذ وهات». ولا أرض أنجـى مـن أرض. فإلـى أيـن تلـوذ؟! تأخـر كورون ـا فـي الوصـول، وكان رؤوفًـا بن ـا، فل ـم يدخـل علين ـا إلا بعـد أن اخترعن ـا الإنترنــت وأجهــزة الحواســيب والآيفــون والهواتــف الذكيــة، فجــاء ليختبــر ذكاءنــا

205

Made with FlippingBook Online newsletter