Together Apart-(A)

أم قادمة من الإعلانات المهـام السـخيفة تتحـول إلـى حلـم مـع الوقـت، فأتمنـى أن أنهـي تنظيـف السـجاد بســام، أو أنهــي مســح المطبــخ دون وصلــة صــراخ هيســترية علــى بابــه، فالشــلل يســيطر علــى كل شــيء، وتنظيــف المنــزل أضحــى ضربًــا مــن الجنــون فــي وجــود أطفــال، تفســد مــا تصلحــه أي يــد لحظــة بلحظــة. إعــداد الطعــام، تغييــر الحفــاض، غسـيل، نشـر، جمـع، تطبيـق، والخطـوة الأكثـر سـخافة إعـادة الملبـس إلـى مواضعها فـي الدواليـب، هـذه كلهـا بديهيـات يجـب أن تتـم بالتـوازي مـع أدوار علـيّ أن ألعبهـا مـن واقـع شـعوري بالذن ـب تجاههـم. علـيّ أن أتحـول إلـى مدرسـة لابنـي الـذي كنـت أشـكو قبـل شـهور مـن عـدم عثـوري بعــد علــى طريقــة تناســبه كــي يتعلــم، الآن علــيّ أن أخترعهــا، وأن أتمالــك أعصابــي، عل ـيّ أن أتحـول أيضًـا إل ـى أم مـن تل ـك الت ـي تظهـر بالإعلن ـات وهـي تداعـب طفلتهـا الصغيـرة، طفلتـي تسـتحق أمّـا قادمـة بضحكـة الإعلنـات الشـهيرة لتداعبهـا. هـي لا تسـتحق ذلـك الوجـه العابـس المرهـق، ولا ذلـك الصـوت الـذي تحشـرج لفـرط الصـراخ، هـي فـي الواقـع تحبـو لأول مـرة فـي حياتهـا ويسـيل اللعـاب منهـا مـع آلام مبرحـة بسـبب الأسـنان، بينمـا أنـا لا أوليهـا اهتمامًـا يُذكَـر، حيـث تتنازعنـي المهـام فـا تبقـي منـي ولا تـذر. إنني أنتهي شيئًا فشيئًا تـورم مـكان الحقـن بشـدة ومـا زلـت سـأحصل علـى المزيـد، إننـي أعجـز عـن الجلـوس فـي راحـة، يعاجلنـي الألـم يعقبـه حنـق عنيـف يعصـف بـي. لـم يكـن لـديّ وقـت فـي بدايـة مرضـي لألاحـظ أنـي مريضـة، لذلـك تفاقـم الأمـر، حتـى صـرت مضطـرة إلـى كل هـذا، لا يكـف الصغيـر عـن النـداء «مامـا مامـا مامـا مامـا» صـرت أكـره فعـل النـداء، وأكـره نفسـي فـي أوقـات عديـدة، مـا كل هـذا؟! لمـاذا لا أكـون أمّـا جيـدة وأجيبـه بهـدوء وألبـي طلباتـه بسـعة صـدر؟! لـمَ صـرت كريهـة وغبية وضيقـة الأفـق ونافدة الصبـر إلـى هـذا الحـد؟! هـو لا يسـتحق هـذا أبـدًا! حتـى الصغيـرة أحيانًـا أصـرخ أنـا لتكـف هـي عـن الصـراخ، لكـن أحـدًا منـا لا يتوقـف أبـدًا. إننـي أرغـب فـي الكتابـة، أرغـب فـي الاسـتماع إلـى موسـيقى مـا، أو مشـاهدة فيلـم أو حتـى الجلـوسهكـذا دون أي شـيء، أحملـق فـي لا شـيء، لـم أعـد أحلـم حتـى بالخـروج مـن البيـت، أنـا هنـا، ككل النسـاء، منـذ وقـت بعيـد، لـم يعـد يغرينـي الخـروج «هـروح فيـن يعنـي؟!» لكـن حتـى تلـك المسـاحة الضيقـة الخانقـة المميتـة لـم تعـد تخصنـي وحـدي.

36

Made with FlippingBook Online newsletter