أخبـرت زوجتـي أننـي سـأنام فـي غرفـة ابنتنـا عليـة وأن تنـام البنتـان رفقـة أمهمـا فـي غرفتن ـا الأخـرى. كل قلقـي أن أصي ـب ابنت ـيّ أو زوجت ـي بالعـدوى. كل قلقـي حتـى وأنـا واهـن محمـوم همـا ابنتـاي. مـن غرفتـي أسـمع صـوت ابنتـي الصغيـرة مايـا وهـي تكـرر (بابـا، بابـا) وهـي المتعـودة أن تمضـي كل وقتها معـي وبرفقتي، لــذا لــم تفهــم كيــف أننــي فــي غرفــة موصــدة ولا تســتطيع أن تدخــل عنــدي. (عليـة) ابنتـي الكبيـرة ذات الأعـوام السـتة، بشـكل وآخـر فهمـت ذلـك مـن أمهـا، أمـا ماي ـا (سـنة ونصـف) ف ـا تفهـم ولا تنسـى للحظـة الب ـاب الموصـد... تن ـادي وتنـادي. الآن أدرك حقّــا أن تشــبثي بالحيــاة ومقاومتــي مردهــا لســماعي لأصــوات ابنتــي - 6 وهمـا تلعب ـان وتنادي ـان عل ـى الب ـاب طرقًـا وأحيان ًـا ب ـكاءً عندمـا لا تسـمح زوجت ـي وعلي ـة لــ ماي ـا بالدخـول. صـوت ماي ـا ون ـداءات علي ـة مـن خل ـف الب ـاب (وبعدهـا بأيـام مـن التحسـن، داخـل الغرفـة)، هـو مـا جعلنـي أحيـا إلـى الآن. بـا شـك همـا مـن منحان ـي الحي ـاة. احتضـان مايـا وعليـة بعـد أيـام مـن العـزل هـو كل مـا رد لروحـي الحيـاة مـن جديـد. - 7 لــو كان لــي القــدرة والقــوة آنــذاك لصــورت (ســيلفي) لــي ولمايــا وهــي تنحنــي بأجمـل ابتسـامة، تهمهـم مـع نفسـها وتنطـق بكلمـات غي ـر مفهومـة ومـن ثـم تقبلنـي وتضـع رأسـها علـى صـدري. صـدري عـاد للعمـل مـن جدي ـد. ماي ـا وعليـة منحتان ـي فرصـة جدي ـدة للنظـر إل ـى الحي ـاة ومتعهـا. أتعـس الأشـياء فـي فتـرة (المصارعـة غيـر الحـرة) مـع كورونـا هـو عـدم قدرتـي - 8 علـى القـراءة. لا أتذكـر أن مـر ي ـوم فـي حيات ـي دون قـراءة، قليل ـة أو سـاعات طويل ـة. المهـم ألا يمـر يومـي دون قـراءة. فـي كل سـني حياتـي كنـت أتسـاءل عـن جـدوى حيـاة تمـر دون قـراءة، بـل أسـتغرب عندمـا أتعـرف علـى بشـر لا يقربـون مـن كتـاب ولا يفهمــون معنــى تعلقــي بالكتــب. مــع محنــة كورونــا شــعرت باليتــم والجهــل والفـراغ والحـزن. كي ـف يمـر يومـي دون قـدرة عل ـى القـراءة. كي ـف؟ عندمــا خرجــت اليــوم بعــد أيــام طويلــة ممــددًا فــي الفــراش، بلحيــة طويلــة - 9 وقميــص غيــر مكــوي رفقــة ابنتــيّ وزوجتــي حتــى شــرفة البيــت لنصفــق مــع
59
Made with FlippingBook Online newsletter