Together Apart-(A)

أثمـن مـن راتـب أبـوك المكسُـور، الحمـدالله تركتـه وطلبـت الطـاق منـه ولكن للأسـف الشـديد أنـكِ تذكريننـي بـه! ضعـفشـخصيتكِ واسـتهتارك فـي الحيـاة، ماذا بـكِ؟ -وفجأة يدخـل الطبيـب الغرفـة... «لـو سـمحت يـا أم تغاريـد هـل أسـتأذنكِ لحظـةً فـي الخـارج». وتخـرج أمـي للطبي ـب لتتحـدث معـه، وأبقـى وحـدي وسـط الدمـوع والأل ـم، مـن أي ـن لـكِ هـذه القسـوة يـا أمـي؟ أحـس بالاحتضـار وأتمسـكُ بالدعـاء فـي قلبـي بأننـي لسـت مصاب ـةً بفي ـروسكورون ـا، ال ـذي قـد ظهـر لن ـا هـذا قب ـل شـهرٍ وسـمعتُ عن ـه فـي التلفـاز عندمـا كنـتُ أبعـث برسـائل توعيـة وتحذيريـة عنـه لجميـع الأرقـام فـي هاتفـي، كنـت مهتمـة بمعرفـة آخـر المسـتجدات عالميّـا وأبحـثُ عـن عـدد الأرقـام للأشـخاص المصابي ـن ب ـه فـي قطـر، تزاحمـت الأفـكار السـوداء فـي رأسـي، وقـد ينت ـج عـن هـذا الصـراع النفسـي طاق ـة سـلبية تج ـذب الفي ـروس لجسـدي، لاسـيما مـع تزاي ـد الخ ـوف بالإصاب ـة ب ـه وقتهـا.. ازداد قلقـي وأن ـا انتظـر أن ترجـع أمـي... تذكـرتُ أب ـي المسـكين الـذي أحبهـا مـن قلبـه ولا زال يحبنـي، كـم رغبـتُ بالاتصـال بـه حتـى أخبـره عـن وضعـي الصحــي لينقذنــي مــن وجعــي، فأمــي لا تحتوينــي مثــل الأمهــات... قلبهــا مــن حجــر يصعـب الدخـول إليـه، لسـانها كالمطرقـة التـي تضـرب فـي ثقتـي بنفسـي... كلمـا أردت أن أكـون ناجحـة فـي حيات ـي لإرضائهـا تحطمنـي ب ـه، وفجـأة دَخلـت الغرفـة ووجههـا يكسـوه التعجـب والصدمـة، نظـرتُ إليهـا بخـوفٍ وربكـة، وحاولـت أن أسـتجمع قـواي وأسـألها؛ أنـا مصابـةٌ بـه؟... تـرد بصـوتٍ حزيـن: نعـم... يـا تغاريـد. أيـن هـي التغاريـد الآن؟ تلـك الأصـوات الشَـجيَة الحسـنة الجميلـة فـي روحـي، أمـي أيـن صُراخكِ الآن؟ كل أفــكاري تنقلــبُ ســوداء، أحسســتُ حينهــا بعتمــة! ظــامٌ يغــزو ظلمًــا آخــر... أتســارع بالهــرب منــه فــي مخيلتــي، تحــاول أمــي أن تودعنــي بســرعة لأن إجــراءات المستشــفى دقيقــة ويحاولــون بقــدر اســتطاعتهم ألا ينتشــر الفيــروس أكثــر، أنظــر لأمـي تل ـوح ل ـي مـن بعي ـد وأقـرأ شـفتيها -«سـأتصل ب ـكِ لاحقًـا»- لكنن ـي كن ـتُ أنظـر إل ـى أعينهـا، لأول مـرة فـي حيات ـي منـذُ عشـرين سـنة أرى دمعـةٍ تهبـط مـن مدمـع عينهـا، وهنالـك دمـوعٍ أخـرى أراهـا تسـتوطن أطـراف رمشِـها ويسـيل الكحـل بطـرف عينهـا الأخـرى، هـذهِ هـي دموعـكِ يـا أمـي؟ وأخيـرًا قـد التقيـتُ بهـا، أحسسـتُ بدفئهـا مهمــا كانــت تبعــدُ عنــي خطــوة للــوراء.. تحــاول الممرضــات إبعادهــا عــن الغرفــة خوفًـا عليهـا مـن الإصابـة بـه. أبقـى وحـدي بتلـك الليلـة وحينهـا يتـم نقلـي إلـى جنـاح خـاص للعنايـة المركـزة لهـذه الحـالات الطارئـة، تمـرّ بـي السـاعات وكانـت حالتـي تـزداد

90

Made with FlippingBook Online newsletter