يبحث الكتاب معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة (1971- 2018)) فيما يقوم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من علاقات قبل إنشاء المجلس وبعد تأسيسه. كما يتناول مسارات التعاون والصراع في تلك العلاقات، وتطورها خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ومطلع الألفية الثالثة، وكذلك العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي أثَّرت وتؤثر فيها سلبيًّا أو إيجابيًّا. ويسعى الكتاب لمؤلفه، الدكتور محمد صالح المسفر، بصفة عامة إلى محاولة فهم العلاقات الخليجية-الخليجية وتقييمها في إطار التداخل بينها وبين السياسات الإقليمية والدولية ودراسة اتجاهاتها والبحث في مصير الدول الخليجية.
L U B A B
دورﯾﺔ ﻣﺤﮑﻤﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻣﺮﮐﺰ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻟﻠﺪراﺳﺎت 202٥ - أﻏﺴﻄﺲ/آب 27 اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ - اﻟﻌﺪد
هﯿﺌﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ . . . . . . . رﺋﯿﺲ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ . ﻧﺎﺋﺐ رﺋﯿﺲ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ .. ﻣﺪﯾﺮ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ
اﳌﺮاﺟﻊ اﻟﻠﻐﻮي
دراسات وأبحاث
Studies and Research
Mohamed Elzin Mohamed Ahmed Ibrahim Pathology of Intelligence: Dissecting Institutional and Psychological Dysfunctions Chouki Ardjoune The British School in Intelligence Studies: From Institutional Constraints to Academic Consolidation
محمد الزين محمد أحمد إبراهيم باثولوجيا الاستخبارات: تشريح الاختلالات المؤسسية والنفسية
11
شوقي عرجون المدرسة البريطانية في الدراسات الاستخباراتية: من القيود المؤسسية إلى الترسيخ الأكاديمي أحمد عبد الواحد الزنداني الشرعية جسرًًا للاستقرار: دور الثقافة السياسية في بناء النظام السياسي
43
Ahmed Abdulwahid Al-Zandani Legitimacy as a Bridge to Stability: The Role of Political Culture in Building the Political System
71
حمزة الك ُُندي الألتراس بالمغرب: الهوية والأيديولوجيا والثوابت الوطنية
Hamza Elkoundi Ultras in Morocco: Identity, Ideology and National Constants
99
Khaled Abdul Rahim Matar Al Hiti The Private Sector and the Promotion of Values of Integrity and Transparency to Prevent Corruption: A Strategic Approach
خالد عبد الرحيم مطر الهيتي القطاع الخاص وتعزيز قيم النزاهة والشفافية: مدخل إستراتيجي
137
رامي غطاس-عبد الرحمن إبراهيم مرتكزات السياسة الخارجية الصينية في آسيا: الممر الاقتصادي الصيني– الباكستاني نموذج ًًا
Rami Ghattas and Abdul Rahman Ibrahim Pillars of Chinese Foreign Policy in Asia: The China–Pakistan Economic Corridor as a Case Study
181
وائل عبد العال : الخلفية 2024–2023 نكبة غزة والسياق والتبعات
Wael Abdelal Gaza Nakba 2024–2023: Background, Context, Consequences
229
متابعات
Follow-ups
Karim Mejri The Twelve-Day War between Iran and Israel: Structural Transformations and Geostrategic Implications for the Region
كريم الماجري حرب الإثني عشر يوم ًًا بين إيران وإسرائيل: التحولات البنيوية، أدوات المواجهة والتداعيات الجيو- إستراتيجية على الإقليم
245
5 |
افتتاحية العدد
ِر عن المجتمع وتستوعب التحولات �ِّ نحو شرعية سياسية تعب بينما كانت الجهود الدولية منصبة على احتواء التوترات التجارية الناتجة عن تصعيد الرســوم الجمركية بين الولايات المتحدة وعدد من شــركائها الاقتصاديين، ولاسيما الصين، انفجرت في المقابل أزمة إقليمية بالغة الخطورة في الشــرق الأوسط دفعت العالم مجددًًا إلى حالة ترقب شديدة. فقد اندلعت مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل استمرت اثني عشر يومًًا، وشهدت تصعيدًًا واسع النطاق انتهى باتفاق هش على وقف إطلاق النار. وقــد كان مــن بين أهم ما طرحته هــذه المواجهة من قضايا إســتراتيجية: الأهمية المتزايدة للدور الاستخباراتي، وقيمة المعلومات في الحروب والصراعات المستمرة. محورًًا بحثيًّّا يتناول الأجهزة الاســتخباراتية، من " لباب " ويخص ِِّــص هــذا العدد من باثولوجيا الاستخبارات: تشريح الاختلالات " خلال دراستين، حملت الأولى عنوان: ، وتتناول ما قد تعانيه هذه الأجهزة من أعطاب داخلية، مؤسسية " المؤسسية والنفسية أو نفسية، وكيف تؤدي تلك الاختلالات إلى تراجع الكفاءة، وصدور قرارات خاطئة المدرسة البريطانية في الدراسات " وتقديرات مضلِِّلة. أما الدراســة الثانية، المعنونة بـ ، فتركز على أهمية تطوير " الاستخباراتية: من القيود المؤسسية إلى الترسيخ الأكاديمي آليات الرقابة والمســاءلة، وتستعرض تجربة المدرســة البريطانية في إخضاع العمل الاســتخباراتي لمستوى أعلى من الانفتاح والشــفافية، بما يسهم في تقليص هامش الخطــأ، وتعزيز ثقة المجتمع في هذه المؤسســات دون المســاس بجوهر وظيفتها الأمنية. وتُُختتم الدراسة بتحليل إمكانيات الاستفادة العربية من هذه التجربة، ولاسيما في تطوير الرقابة المؤسسية وتعزيز التوازن بين العمل السري والمساءلة العامة. ا مهم ًًّا في تحقيق ومــع أن تحديث أدوات الدولة وتعزيــز فاعليتها الأمنية يُُعد عاملًا الاستقرار، فإن استدامة هذا الاستقرار تظل مشروطة بمدى رسوخ الشرعية السياسية واتساقها مع الثقافة المجتمعية. في هذا السياق، تنشر المجلة دراسة محورية بعنوان ، تتناول " الشــرعية جســرًًا للاستقرار: دور الثقافة السياســية في بناء النظام السياسي "
| 6
مفهوم الشرعية من منظور ثقافي، يرتكز على التوافق بين بنية النظام وقيم المجتمع. تشــير الدراســة إلى أن جزءًًا كبيرًًا من الأزمات السياسية العربية يعود إلى غياب هذا التوافق، وضعف الروابط الثقافية بين الدولة والمجتمع. كما تؤكد أن الشرعية السياسية تتطلب إشراك الفاعلين الاجتماعيين، وتوسيع قاعدة المشاركة، وتعزيز قنوات الحوار الوطني. وتخلص الورقة إلى أن بناء نظام سياســي مســتقر يســتوجب الانطلاق من أسس محلية نابعة من السياق الثقافي والاجتماعي، بما يعيد للشرعية فاعليتها رافعة للاستقرار الداخلي. الألتراس بالمغرب: " وفــي امتــداد لهذا الطرح، يقدم العدد دراســة ميدانية بعنــوان ، ترصد الكيفيات التي يُُعاد عبرها تشــكيل " الهويــة والأيديولوجيا والثوابت الوطنية مفاهيم الولاء والانتماء خارج الأطر الرسمية، من خلال ظواهر جماهيرية مثل حركة الألتراس. تكشف الدراسة تداخل التعبير الاحتجاجي مع الانتماء الوطني، وتُُبرز قدرة هــذه المجموعات علــى الجمع بين التعدد الأيديولوجي والحفاظ على التماســك الوطني، إضافة إلى إعادة توظيف الفضاء الرياضي منصة سياسية غير تقليدية. وتُُبين الورقة أن شرعية الدولة لا تُُصاغ فقط عبر المؤسسات الرسمية، بل تتجدد باستمرار في الفضاءات العامة، وعبر وســائط الثقافة الشــعبية، بما يجعل فهم الشرعية عملية مجتمعية مستمرة ومتعددة المستويات. القطاع الخاص وتعزيز قيم " علــى الصعيد الاقتصادي، يتناول العدد دراســة بعنوان ، تبحث في مفهوم الشرعية من زاوية مؤسسية- " النزاهة والشفافية: مدخل إستراتيجي أخلاقية، مركزة على دور القطاع الخاص في ترســيخ بيئة خالية من الفســاد. تسلط الدراسة الضوء على أثر ضعف الامتثال المؤسسي وتراجع آليات الرقابة الداخلية في الإضرار بالبنية الاقتصادية، وتقويض ثقة المجتمع بالدولة. وتطرح تصورًًا إستراتيجيًّّا يقوم على تفعيل شراكات ثلاثية تجمع بين القطاع الخاص والقطاع العام والمجتمع المدني، بهدف بناء منظومة متكاملة تُُدرج النزاهة والشفافية ضمن مقومات الشرعية السياسية، باعتبارها عنصرًًا تأسيسيًّّا وإجراء إداريًًّا في الوقت نفسه. مرتكزات السياسة الخارجية " في البعد الجيوسياســي، تنشــر المجلة دراســة بعنوان ، وفيها تسليط للضوء " الباكستاني نموذج ًًا – الصينية في آسيا: الممر الاقتصادي الصيني على ملامح القوة الذكية التي توظفها بكين في سياســتها الخارجية، عبر الجمع بين أدوات التنمية والاســتثمار والبُُعد الإســتراتيجي طويل المدى. تســتعرض الدراسة
7 |
إمكانية تحول الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني من مجرد مشروع تنموي إلى أداة نفوذ إقليمي؛ ما من شأنه أن يثير حفيظة قوى دولية وإقليمية ترى في هذا المشروع بوابة محتملة لإعادة تشكيل التوازنات في جنوب آسيا. وتطرح الورقة تســاؤلات حول الشروط السياسية والشرعية التي تحتاجها المبادرات الاقتصادية العابرة للحدود، خصوص ًًا في بيئات تخشــى التمدد الجيوسياســي، كما تسائل حدود فاعلية القوة الناعمة في ظل غياب توافق سياسي يضمن استدامة الشراكة واحترام السيادة. – 2023 نكبة غزة " ا لكتاب بعنوان ، يقدم العدد تحلــيلًا " قراءة في كتاب " فــي زاوية ، الصادر بالإنجليزية عن مجموعة من الباحثين " : الخلفية والســياق والتبعــات 2024 اليابانييــن. يعــرض الكتاب مقاربة نقدية للعدوان الإســرائيلي على غزة، من خلال توظيف مناهج دراســات ما بعد الكولونيالية والاستعمار الاستيطاني. ويسلط الضوء ا مقاومًًا يســتهدف استعادة المعنى على مركزية الســردية الفلســطينية، باعتبارها فعلًا وتفكيك الهيمنة. كما يكشــف الكتاب تهافت الشــرعية الدولية في التعامل مع نكبة ، وفشل المنظومة القانونية والأممية في مساءلة القوة 1948 فلسطين المستمرة منذ عام القائمة بالاحتلال. ، فتتناول أبعاد المواجهة العســكرية التي اندلعت بين إســرائيل " متابعات " أما زاوية حرب الإثني عشــر " ، من خلال دراســة بعنوان: 2025 وإيــران فــي يونيو/حزيران يومًًا بين إيران وإســرائيل: التحــولات البنيوية، أدوات المواجهة والتداعيات الجيو- . تنظر الدراســة إلى هذه الحرب بوصفها لحظة فارقة في " إســتراتيجية على الإقليم مسار الصراع الإقليمي، كشفت حدود الردع التقليدي، وأعادت رسم خطوط الاشتباك بين القوى الإقليمية. وتُُظهر الورقة كيف انتقلت المواجهة من الطابع غير المباشــر إلى صدام مفتوح، اســتُُخدمت فيه أدوات غير تقليدية، من الهجمات الســيبرانية إلى ا في منطق الحرب وأولويات الأمن العمليات الاستخباراتية الدقيقة، بما يعكس تبدلًا القومــي. وتخلص الدراســة إلى أن هذه الحرب لــم تكن مجرد مواجهة ظرفية، بل محطة كاشــفة لتحولات بنيوية في البيئة الجيوسياســية للشرق الأوسط، سيكون لها أثر مباشــر على موقع فصائل المقاومة، وتوازنات الردع، ونفوذ إســرائيل الإقليمي، وسبل إدارة التوترات في المرحلة المقبلة.
| 8
بين تأصيل " لباب " بهــذا التنــوع الموضوعي والمنهجي، يجمع هذا العدد من مجلة المفاهيم وتحليل الظواهر، ويربط بين مساءلة العلاقة بين السلطة والمجتمع، وتفكيك بنى الأجهزة الأمنية والمؤسســية، واستشــراف تحولات القوة في البيئتين الإقليمية والدولية. ولا يقتصر هذا الجهد على وصف العالم كما هو، بل يســعى، في الحالة العربية تحديدًًا، إلى إعادة طرح أسئلته التأسيسية من جديد: هل يمكن، في ظل هذا التصدع المتنامي في بنية الدولة العربية، إعادة بناء شــرعية متجذرة ثقافيًًّا ومرنة في الأداء السياسي؟ وهل تملك المجتمعات العربية الأدوات الفكرية والمؤسســية الكفيلة بتحويل النقد المعرفي إلى إصلاح فعلي؟ هذه الأســئلة تُُفتََح في أوراق العدد، وتظل معلقة على مائدة البحث والتحليل، في انتظار إسهامات فكرية جديدة تواصل هذا المسار النقدي والاستشرافي.
دراسات وأبحاث
باثولوجيا الاستخبارات: تشريح الاختلالات المؤسسية والنفسية Pathology of Intelligence: Dissecting Institutional and Psychological Dysfunctions * Mohamed Elzin Mohamed Ahmed Ibrahim – محمد الزين محمد أحمد إبراهيم ملخص تتنــاول هــذه الدراســة الأمــراض والاخــتلالات (الباثولوجيــا) التــي تصيــب أجهــزة يـ ًا يعــوق عمــل هــذه الأجهــزة وفاعليتهــا، وتطــرح � الاســتخبارات بوصفهــا تحد الســؤال المركــزي التالــي: كيــف تؤثــر الاخــتلالات المؤسســية والنفســية في أداء الأجهـزة الاسـتخبارية، لاسـيما في كفـاءة جمـع المعلومـات وتحليلهـا وصنـع القـرار؟ تركـز الدراسـة على التحيـزات المعرفيـة والشـك المرضـي كعوامـل نفسـية رئيسـة تؤثـر في الإسـتراتيجيات الاسـتخبارية، وتعتمـد منهجيـة تحليليـة تشـمل مراجعـة الأدبيـات والنمذجـة النظريـة والتحليـل السوسـيولوجي. وتكشـف النتائـج أن التصـدي لهــذه الظاهــرة يتطلــب إصلاحــات مؤسســية لتعزيــز التنســيق الداخلــي وتطويــر نمـاذج تحليليـة تحـد مـن التأثيـرات النفسـية السـلبية. توصـي الدراسـة بتعزيـز الشـفافية والمسـاءلة داخـل الأجهـزة الاسـتخبارية، وإدمـاج برامـج تدريبيـة لصقـل مهـارات التفكيـر النقـدي وإدارة الضغـوط؛ ممـا يسـهم في رفـع الجاهزيـة لمواجهـة التحديـات الأمنيـة بمرونـة وفعاليـة. باثولوجيــا الاســتخبارات، التحيــزات المعرفيــة، الإصلاح الكلمــات المفتاحيــة: المؤسســي، أداء الأجهــزة الاســتخبارية، صنــع القــرار. Abstract This study examines the pathology of intelligence as a challenge that hinders the effectiveness of intelligence agencies. It poses the central question: How do institutional and psychological dysfunctions impact the performance of intelligence agencies, particularly in the efficiency of information collection, analysis and decision-making? The study focuses on cognitive biases and pathological suspicion as key psychological factors influencing intelligence * د. عميـد (متقاعـد) محمـد الزيـن محمـد أحمـد إبراهيـم، باحـث في الدراسـات الاسـتخباراتية، محاضـر بأكاديميـة جوعـان بـن جاسـم للدراسـات الدفاعيـة، وكليـة أحمـد بـن محمـد العسـكرية، في قطـر. * Dr. Mohamed Elzin Mohamed Ahmed Ibrahim (Retired Brigadier General), researcher in intelligence studies, and Lecturer at Joaan Bin Jassim Academy for Defense Studies and Ahmed Bin Mohammed Military College, Qatar.
strategies. Employing an integrated analytical methodology, it incorporates literature review, theoretical modelling and sociological analysis. The findings indicate that addressing this issue requires institutional reforms to enhance internal coordination and develop analytical models that mitigate negative psychological effects. The study recommends fostering transparency and accountability within intelligence agencies and integrating training programmes to refine critical thinking and stress management skills, ultimately enhancing preparedness to tackle security challenges with flexibility and effectiveness. Keywords: intelligence pathology, cognitive biases, institutional reform, intelligence agency performance, decision-making.
13 |
مقدمة تُُعََد الاستخبارات إحدى الركائز الأساسية التي يعتمد عليها أي نظام سياسي أو أمني في العصر الحديث؛ فهي أداة حيوية لجمع المعلومات وتحليلها بهدف دعم عملية ) في المجالات العسكرية Strategic Decision - Making صنع القرار الإستراتيجي ( والسياسية والاقتصادية. وتُُشك ِِّل أجهزة الاستخبارات حائط الصد الأول في مواجهة التهديدات الأمنية المتغيرة، كما تمثل عنصرًًا محوريًًّا في صياغة السياســات الوطنية والدوليــة. ومع ذلــك، فإن هذا النظام المعقد ليس بمنأى عــن التحديات الداخلية والخارجية التي قد تؤثر في أدائه وفعاليته. ) إحدى الظواهر المثيرة Intelligence Pathologies ( " باثولوجيا الاســتخبارات " ت ُُع ََدُُّ للاهتمام في هذا السياق، وهي تُُشير إلى دراسة الأمراض والاختلالات التي قد تصيب بنية ووظيفة أجهزة الاســتخبارات. وتشــمل هذه الظاهرة مجموعة من المشــكلات التنظيمية والنفسية والتقنية التي تؤدي إلى انخفاض الكفاءة، وسوء التقدير، أو حتى ) بين Dynamic Interaction الفشــل في التنبؤ بالتهديدات. إن ديناميكية التفاعــل ( العناصر البشرية والتكنولوجية، وبين القيم المؤسسية ومتطلبات السرية، تجعل أجهزة الاستخبارات عرضة للانحرافات والاختلالات. علاوة على ذلك، فإن التحديات النفسية التي يواجهها القادة والمحللون، مثل التحيز )، قد تؤدي إلى قرارات Paranoia ) والشك المرضي ( Cognitive Biases المعرفي ( غيــر دقيقــة أو ردود فعل مبالََغ فيها تجاه التهديدات. وهذا ما يجعل فهم باثولوجيا الاســتخبارات أمرًًا ضروريًًّا، ليس فقط لتحليل أسباب الفشل، بل أيض ًًا لتعزيز قدرة .) Adaptive Capability الأجهزة على التكيف مع بيئات العمل المتغيرة والمعقدة ( تتناول هذه الدراســة باثولوجيا الاستخبارات بوصفها قضية محورية لفهم التحديات التي تواجه الأجهزة الاســتخبارية وتأثيرها فــي عملية اتخاذ القرارات، وتهدف إلى تحليل العوامل المؤسســية والنفسية التي تُُعيق الأداء الاستخباري، وذلك من خلال ). وقد اعتمدت الدراسة على التحليل 1 منهجيات تحليلية متعددة لتقديم رؤى معمقة( النقــدي للأدبيات والبيانات التاريخية لتحديد نقاط الضعف في الأنظمة المؤسســية والنفسية، إضافة إلى النمذجة النظرية لتوضيح أثر هذه الاختلالات على الأداء. كما
| 14
استخدمت الدراسة التحليل السوسيولوجي لاستكشاف تأثير الثقافة التنظيمية والبيئة الاجتماعية على ســلوك العاملين، بهدف فهم التفاعل بين الأفراد والبيئة في تشكيل الممارسات النفسية. تتمثل مشــكلة الدراســة في بحث باثولوجيا الاستخبارات من خلال تحديد وتحليل الاختلالات المؤسسية والنفسية التي تصيب أداء الأجهزة الاستخبارية. وتهدف إلى فحص كيفية تأثير هذه الباثولوجيا في فعالية جمع وتحليل المعلومات واتخاذ القرارات الإستراتيجية، بما يؤدي إلى تدهور الأداء الاستخباري، وعدم القدرة على الاستجابة الفعالة للتهديدات الأمنية. وتســعى الدراســة إلى الكشف عن الأسباب الكامنة وراء هذه الاختلالات، وتقديم حلول علاجية لتحسين فاعلية الأجهزة الاستخبارية. وتفترض الدراســة أن باثولوجيا الاســتخبارات، ســواء على المستوى المؤسسي أو النفســي، تؤدي إلى اخــتلالات تؤثر تأثيرًًا جوهريًًّا في فاعلية الأداء الاســتخباري. فمن خلال هذه الباثولوجيا، تُُضعف الأجهزة الاستخبارية قدرتها على اتخاذ قرارات إســتراتيجية دقيقة؛ مما يعرِِّضها للفشــل في مواجهة التحديات الأمنية. كما تفترض الدراســة أن معالجة هذه الباثولوجيا من خلال إصلاحات مؤسســية ونفسية شاملة، ستســهم في تحسين كفاءة الأداء الاســتخباري وتعزيز قدرته على التكيف مع البيئة المتغيرة. وتكمن أهمية الدراســة في تحليل الأســباب المؤسســية والنفســية التي تؤدي إلى اختلالات في أجهزة الاســتخبارات، وفهم كيفية تأثير هذه العوامل في عملية اتخاذ القرارات الإستراتيجية. كما تُُسهم الدراسة في تقديم توصيات عملية لتحسين فاعلية الأداء الاستخباري، بما يعزز القدرة على الاستجابة للتحديات الأمنية. وتهدف هذه الدراسة إلى تحليل الظواهر الرئيسة المرتبطة بباثولوجيا الاستخبارات، بما في ذلك التحديات التنظيمية والنفســية، واستعراض أمثلة تاريخية لتوضيح الأثر العملي لهذه الظواهر. كما تســلط الضــوء على الإصلاحات الضرورية لتحســين كفاءة الأجهزة الاستخبارية وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية. بناء عليه، تم تقسيم الدراسة إلى عدد من المحاور التي تحاول تغطية الموضوع من جوانبه المختلفة، وذلك على النحو الآتي:
15 |
ا : ما الاستخبارات؟ أول ًا ، مــن الضروري البدء بتوضيح " باثولوجيا الاســتخبارات " قبــل الخوض في تحليل مفهوم الاســتخبارات وأغراضها، باعتبارها عملية معقدة تتداخل فيها أبعاد متعددة. ) Peter Jackson ) وبيتر جاكسون ( Lynn Scott وكما يشــير كل من لين ســكوت ( )، فإن تعريف الاســتخبارات ليس مسألة بســيطة، بل يتطلب تفكيرًًا نقديًًّا متعدد 2 ( الأبعاد. فالاســتخبارات تتجاوز مجرد جمع المعلومات وتحليلها، لتشمل استخدام هذه المعرفة في صياغة القرارات الإستراتيجية التي تؤثر في الأمن القومي والسياسات الدولية. ) أن الاستخبارات تظل James Der Derian وفي منظور مغاير، يرى جيمس ديريان ( ). وعلى المستوى نفسه، يُُبدي ديفيد 3 المجال الأقل فهمًًا والأكثر نقص ًًا في التنظير( )، أحد أبرز العلماء في هذا المجال، أسفه لعدم تسليط الضوء David Kahn خان ( على الصعوبات الكبيرة التي تواجه الباحثين في الوصول إلى تعريف شــامل ودقيق للاستخبارات. لذا، لا يمكن فهم طبيعة الاستخبارات وأغراضها إلا من خلال فحص الأطر المؤسسية والنفسية والتقنية التي تحكم عملها، وهو ما يعكس تأثيرها العميق في تشكيل السياسات وصياغة الأمن. وفي هذا الســياق، يُُلاحظ أن الاستخبارات تعني أمورًًا مختلفة لأشخاص مختلفين؛ ) إلى أن الدلالات التي ينطوي عليها Sherman Kent فقد أشــار شــيرمان كينت ( تتسم بالشمولية والعمومية؛ مما يجعل من الصعب حصرها " الاستخبارات " مصطلح بســهولة؛ إذ إنها تتعلق بجميع الأنشــطة البشرية. ومع ذلك، يؤكد كينت على وجود ثلاثة عناصر رئيســة تُُشك ِِّل جوهر الاستخبارات، وهي: المعرفة، ونوع المنظمة التي .) 4 تنتج تلك المعرفة، والأنشطة التي تمارسها هذه المنظمة( ،) Richard Thurlow فــي المقابل، يميل عدد من المراقبين، مثل ريتشــارد ثورلو ( إلــى فهم الاســتخبارات في المقام الأول بوصفها أداة لصنع السياســات الخارجية والدفاعية، بينما يركز آخرون على دورها في الأمن الداخلي، وكونها آلية من آليات ). وربما تتمثل إحــدى نقاط الخلاف المثيرة للاهتمام في الطبيعة 5 الدولــة القمعية( ) -وهو ممارس Michael Herman الأساسية للاستخبارات؛ إذ يرى مايكل هيرمان ( ا من أشكال قوة الدولة ســابق في المجال الاستخباري- أن الاستخبارات تُُعد شكلًا
| 16
قوة الاستخبارات في " في حد ذاتها، ويُُشك ِِّل هذا التصور جوهر تحليله في دراسته .) 6 ( " السلم والحرب )، فيقدم وجهة نظــر مختلفة؛ إذ يرى أن John Ferris أمــا المــؤرخ جون فيريــس ( ا من أشكال القوة، بل وسيلة لتوجيه استخدامها، سواء الاســتخبارات ليست شــكلًا " كمضاعف للقوة القتالية، أو من خلال المساعدة في فهم البيئة المحيطة والخيارات ). وبغض النظر عن الصيغة 7 ( " المتاحة، وبالتالي كيفية تطبيق القوة أو النفوذ وضد مََن التي يتم تبنيها، ومهما بلغت جودة الاستخبارات المتاحة، فإن حكم القادة السياسيين وفهمهم لقيمة وحدود الاستخبارات يبقى العامل الأهم. وعلى المستوى المؤسسي، يدور التعريف الأميركي للاستخبارات عمومًًا حول عملية إنتاج منتجات استخباراتية من مصادر سرية ومفتوحة ليستخدمها صانعو القرار. كما تُُضيف الاستخبارات الأميركية بعض الوظائف العملياتية إلى هذا التعريف، من قبيل الدعاية، والعمليات السرية، والتدخل في الصراعات. في المقابل، تُُعر ِِّفها الاستخبارات .) 8 ( " المعلومات السرية التي يتم الحصول عليها بوسائل خفية " البريطانية بأنها استنادًًا إلى ما سبق، يُُظهر البحث الأكاديمي لهذا المجال أن الاستخبارات لا تمثل مجرد عملية لجمع البيانات، بل هي نظام معقد يهدف إلى التنبؤ بالتهديدات وتحليل المخاطر، وهو ما يجعل دراســتها تتطلب النظر في دورها الفعََّال في حماية الأمن القومي ومواجهة التحديات العالمية. وعليه، يُُعد هذا التحليل نقطة انطلاق أساســية ، التي تُُعنى بفهم التحديات التي تواجه هذا المجال " باثولوجيا الاستخبارات " لدراسة وتأثيراتها في الأداء الاستخباري. ثانيًًا: مفهوم باثولوجيا الاستخبارات ا ًا ) مجال Pathology of Intelligence ( " باثولوجيــا الاســتخبارات " عـ َُّد مصطلــح �ُُ ي متخصص ًًا في دراســة الأسباب العميقة والاختلالات البنيوية والسلوكية التي تصيب الأجهزة الاســتخبارية على المستويََين، المؤسســي والنفسي. ويتضمن هذا المفهوم ا للأخطاء والعوامل التي تؤدي إلى تدهور فعالية هذه الأجهزة؛ مما يسفر عن تحليل ًا ضعف في الكفاءة أو انحراف في الأداء عن الأهداف الإستراتيجية المقررة.
17 |
ويســتمد هذا المصطلح جذوره من علم الباثولوجيا، الذي يُُعنى بدراســة الأمراض في الكائنات الحية، ويُُستخدم في سياق الاستخبارات للإشارة إلى التحقيق المنهجي في أســباب الإخفاقات والتحديات التي تؤثر في أداء الأجهزة الاستخبارية. ويتناول هــذا التحليل القضايا المرتبطة بســوء الإدارة، والانحرافــات الأخلاقية، والتضليل، والتسييس، والمشكلات التنظيمية، وهي جميعها عوامل تُُسهم في اتخاذ قرارات غير فعالة أو مضللة. يركز التحليل الاستخباراتي القائم على مفهوم الباثولوجيا على فهم وتفسير الديناميات التــي تؤدي إلى الإخفاقات فــي جمع المعلومات وتحليلها واســتخدامها. ويتمثل الهدف الرئيســي من هذا التحليل في تحديد العوامل المؤدية إلى الفشــل، واقتراح حلول وإصلاحات تُُسهم في تعزيز الكفاءة الاستخبارية، وتحسين القدرة على التكيف مع التحديات المتغيرة بشكل فعال ومنظم. وتُُعََد دراســة باثولوجيا الاستخبارات أمرًًا أساســيًًّا لتعزيز الأداء المؤسسي، وتقليل مخاطــر اتخاذ قــرارات مبنية على معلومات غير دقيقــة أو متحيزة؛ مما يؤدي إلى تحسين القدرة على الاستجابة للتهديدات، واتخاذ قرارات إستراتيجية مستنيرة. ثالثًًا: الاختلالات المؤسسية تُُعََد الاختلالات المؤسســية من العوامل الرئيســة التي تؤثر سلبيًّّا في فعالية الأجهزة الاســتخباراتية؛ إذ تنشــأ من عيوب هيكلية وتنظيمية تُُعيق التنسيق الداخلي وتُُضعف الأداء العام. وتتفرع هذه الاختلالات إلى عدة جوانب، تشمل: . ضعف التنسيق 1 ، جزئيًًّا، 2001 سبتمبر/أيلول 11 يُُعزى فشل الاستخبارات الأميركية في منع هجمات ) CIA إلى نقص التنســيق بين وكالاتها المختلفــة، مثل وكالة المخابرات المركزية ( )؛ مما أدى إلى عدم تبادل المعلومات الحيوية FBI ومكتــب التحقيقــات الفيدرالي ( بين الوكالات، وهو ما أعاق الجهود المبذولة لمنع الهجمات. ووفقًًا للجنة التحقيق لم يكن يتسم بالتنسيق " مجتمع الاستخبارات الضخم " سبتمبر، فإن 11 في هجمات المناســب بين الوكالات؛ إذ كانت كل وكالة تتعامل مع تهديدات الإرهاب بشــكل
| 18
منفصل؛ مما صعََّب ربط الأنشــطة المشــبوهة التي تشــير إلى وجود شبكة إرهابية متكاملــة. كما أن الحواجز البيروقراطية، مثــل القوانين التي تمنع تبادل المعلومات على مشــاركة FBI حــول المواطنيــن الأميركيين، حد ََّت من قدرة الوكالات مثل الـ .) 9 ( CIA المعلومات مع الـ حتى بعد جمع المعلومات الاســتخباراتية، كان التواصل بين الوكالات ضعيفًًا؛ مما ) Nevin حال دون تبادلها بين المســؤولين. فعلى سبيل المثال، أشار كل من نيفين ( ) إلى أن التعاون بين الوكالات قد يتعطل بســبب Philip Aschara وفيليب أشــارا ( )، مما يؤدي إلى 10 العــداوة بيــن كبار المســؤولين أو التنافس علــى الميزانيــات( ). علاوة علــى ذلك، حتى عند تبادل المعلومات، كان 11 اســتخبارات غير مترابطة( هناك تقصير في تحليلها بشكل منسق؛ مما جعل تقدير حجم التهديدات أمرًًا صعبًًا. ، بوجود خلل في الاتصال 2002 وقــد اعترف الرئيس جورج دبليو بوش، في عــام . CIA والـ FBI بين الـ وفي بداية الحرب على العراق، حدث فشــل واضح في تقييم وجود أســلحة دمار ، اســتنادًًا إلى معلومات اســتخباراتية 2003 شــامل؛ مما أدى إلى غزو العراق، عام ووكالات أخرى، مثل وزارة الدفاع الأميركية CIA غير دقيقة. وكان التنســيق بين الـ (البنتاغون)، محدودًًا؛ مما أســهم في تكوين صورة مشــوهة عن تهديدات أســلحة .) 12 الدمار الشامل( ؛ حيث ظهر نقص التنسيق بين 2005 ويعزز هذا النمط ما حدث في هجوم لندن، عام ) والشــرطة البريطانية؛ مما أضعف الاســتجابة MI5 جهاز الأمن الداخلي البريطاني ( ، عن عمليات تجســس صينية على 2010 ش ـ ِف، عام �ُُ الفعالة لتلك التهديدات. كما ك CIA و NSA الأنظمة الأميركية؛ حيث فشل التنسيق بين وكالات الاستخبارات مثل الـ ، مما جعل اكتشاف الأنشطة في وقت مبكر أمرًًا بالغ الصعوبة. FBI و وعلى المســتوى العربي، كشــفت الهجمات على السفارة الأميركية في تونس، عام ، عن ضعف التعاون بين وزارة الداخلية والاستخبارات العسكرية؛ مما أدى إلى 2012 يناير، فشلت الأجهزة الاستخباراتية في 25 تأخر الرد. وبالمثل، في مصر قبيل ثورة تنسيق المعلومات حول حالة الاحتقان الشعبي؛ مما أثََّر على فاعلية استجابتها. وفي ، كان هناك انعدام لتبادل 2005 لبنان، وبعد اغتيال رئيس الوزراء، رفيق الحريري، عام
19 |
المعلومات بين الأجهزة الأمنية والاســتخباراتية؛ مما أثََّر ســلبيًّّا على قدرة الحكومة اللبنانية في التعامل مع التهديدات الأمنية. . الفساد الإداري 2 ا آخر يُُســهم في باثولوجيا يُُعََد الفســاد الإداري داخل الأجهزة الاســتخباراتية عاملًا الاستخبارات؛ إذ يؤثر في نزاهة العمليات ويُُقلِِّل من مصداقية التقارير. وتُُعد فضيحة ) من أبرز الأمثلة على ذلك؛ إذ وُُجدت 2003 ( " أســلحة الدمار الشــامل في العراق " تقارير اســتخباراتية مشوهة تُُفيد بوجود تلك الأسلحة، واستُُخدمت لتبرير الغزو. تم التلاعب بالمعلومات في هذا السياق لتقديم صورة غير دقيقة عن التهديدات. ) Peter Jackson ) وجاكسون ( Lynn Scott وفي هذا السياق، يشير كل من سكوت ( إلى هذه القضية بشكل بارز في تحليلاتهما، حول التلاعب بالاستخبارات في أعقاب المعلومات " زي ََّفت " سبتمبر، والادعاءات التي تفيد بأن الحكومة البريطانية 11 أحداث .) 13 الاستخبارية لتضليل الجمهور بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية( . ضعف الرقابة والمساءلة 3 هناك مظاهر متعددة لسوء استخدام السلطة في سياقات تشهد ضعفًًا في آليات الرقابة ، وخلال الحملة العســكرية في أفغانستان، أفادت تقارير 2001 المؤسســية. ففي عام صحفية ومنظمات حقوقية بأن بعض المعتقلين في مواقع احتجاز يُُعتقد أنها خاضعة لإشــراف وكالة الاســتخبارات المركزية الأميركية، قد تعرضوا لأساليب استجواب ، بشأن برنامج 2014 قاســية. وقد أشار تقرير مجلس الشيوخ الأميركي، الصادر عام الاحتجاز والاستجواب، إلى أن بعض هذه الأساليب كانت تُُمارََس في إطار عمليات ؛ مما أثار " القاعدة " وتنظيــم " طالبان " اســتخباراتية تهــدف إلى جمع معلومات عن شـ ًا واســعًًا في الأوساط السياســية والحقوقية حول التوازن بين متطلبات الأمن � نقا واحترام المعايير الأخلاقية. ، كشفت وثائق مسربة إلى وسائل الإعلام عن تورط محتمل 2011 وبالمثل، في عام لبعض مسؤولي الاستخبارات البريطانية في عمليات تسليم لأشخاص إلى دول ثالثة، من بينها ليبيا. ومن بين أبرز الحالات التي أثيرت حينها، قضية عبد الحكيم بلحاج،
| 20
، وتعرض للاحتجاز في سجن أبو سليم. 2004 الذي نُُقل من تايلاند إلى ليبيا، عام وقــد أفــادت تقارير صحفية بأن عددًًا من الضبــاط البريطانيين كانوا على علم بهذه ا سياسيًًّا في بريطانيا بشأن مدى التزام الأجهزة الاستخبارية العملية، وهو ما أثار جدلًا .) 14 بالقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان( وعليــه، فــإن هذه الأمثلة، رغم خصوصيتها، تســلِِّط الضوء علــى ما يمكن وصفه ؛ أي تلــك الأنماط الثقافية " باثولوجيا الاســتخبارات " فــي الأدبيات المتخصصة بـ والمؤسســية التي قد تسمح بوقوع انتهاكات دون رقابة كافية أو محاسبة فعالة، وهو ما يدعو إلى مراجعة آليات الرقابة الداخلية وتعزيز مبادئ الشفافية والمسؤولية المهنية داخل المؤسسات الاستخبارية. . التسييس 4 يُُعََد التسييس من أبرز التحديات التنظيمية التي تواجه الأجهزة الاستخبارية، ويُُقصد به اســتخدام هذه الأجهزة لتحقيق أهداف سياســية، على حســاب الحيادية المهنية والموضوعيــة فــي جمع المعلومات وتحليلها. وتُُؤثر هذه الظاهرة بشــكل كبير في نزاهة العمل الاســتخباري وجودة المعلومات المقدمة لصنََّاع القرار؛ مما يؤدي إلى قرارات إستراتيجية غير مستنيرة. ومن منظور أكاديمي، يشــير الباحثون في مجال الاســتخبارات إلى أن التسييس قد .) Erosion of Intelligence Integrity ( " تآكل نزاهة العمل الاستخباري " يُُفضي إلى Robert وفي هذا الســياق، يرى الخبير في الشــؤون الاستخبارية روبرت دي. بيتيز ( ، أن التدخلات السياسية تُُضعف من Enemies of Intelligence )، في كتابه D . Betts قدرة الأجهزة على أداء دورها كمصدر مستقل للمعلومات؛ مما يهدد الأمن القومي. ويلفت بيتيز إلى أن التسييس يُُقو ِِّض الأسس التي تُُبنى عليها التقارير الاستخبارية في .) 15 دعم القرارات السياسية والاقتصادية( ويؤكد العديد من الدراسات هذه الرؤية، موضحة أن التسييس قد ينجم عن ضغوط مباشرة أو غير مباشرة من الجهات السياسية، تهدف إلى توجيه التحليل الاستخباري " توجيهات غير رســمية " لخدمــة أجندات معينة. وقد تتجســد هــذه الضغوط في ) تُُمــارََس عبر تلميحــات أو توقعات ضمنية تؤثر في عملية Informal Pressures ( التقييم.
21 |
Power and Control ( " الســلطة والســيطرة " بـَط هذا النمط من التأثير بنظرية �ْْ وي ُُر )، التي تُُبين كيف يمكن للقوى السياسية الساعية للهيمنة على أدوات صنع Theory القرار أن تُُحاول التأثير في نتائج التحليل الاستخباري. ووفق هذه النظرية، قد تسعى السلطة إلى توجيه مخرجات العملية الاستخبارية لتتماهى مع أولوياتها، مما يُُضعف .) 16 استقلالية التقدير المهني( ا مركزيًًّا يُُستشــهد به في الأدبيات المتخصصة ، مثالًا 2003 عـ َُّد غــزو العراق، عام �ُُ وي عند مناقشة قضية التسييس. فقد استندت إدارة الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش إلى تقارير اســتخبارية أشارت إلى امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، لتبرير الغزو. ووفقًًا لما ورد في عدد من التحقيقات البرلمانية والأكاديمية، فإن وكالات مثل وكالة ) كانت قد واجهت ضغوط ًًا مؤسسية كثيفة لتقديم تقارير CIA الاستخبارات المركزية ( تُُعز ِِّز هذا التصور، رغم أن هذه التقديرات لم تكن مدعومة بأدلة ميدانية قاطعة، وتبين تُُعََد الســرية عنصرًًا أساســيًًّا في العمل الاســتخباري، تهدف إلى حماية المعلومات الحساســة ومنع تســربها. ومع ذلك، فإن الإفراط في السرية قد يُُفضي إلى عواقب المعرفة على " ســلبية تُُعيق فعالية الأجهزة الاســتخبارية. ويستند هذا النهج إلى مبدأ )، غير أن التشدد في حجب المعلومات قد يُُضعف Need to Know ( " قدر الحاجة التنسيق، ويحد من الابتكار، ويُُقلِِّل من القدرة على التكيف مع التهديدات المتغيرة، .) 24 مما يؤثر سلبيًّّا في عملية صنع القرار( وفي الســياق الأكاديمي، يُُعد الإفراط في السرية أحد أبعاد باثولوجيا الاستخبارات، ) Hans Morgenthau لأنه يحد من التعاون بين الوكالات. ويُُشــير هانز مورغنثاو ( ) تعزز التفكير النمطي، وتُُقلل من تنوع Closed Systems ( " الأنظمة المغلقة " إلى أن .) 25 الإستراتيجيات؛ مما يُُضعف تبادل المعلومات الضرورية لتقييم التهديدات بدقة( كمــا يؤدي ذلك إلى صعوبة تكوين صورة شــاملة لــدى ص ُُنََّاع القرار؛ مما يزيد من .) 26 احتمالية اتخاذ قرارات استنادًًا إلى بيانات ناقصة أو متحيزة( لاحقًًا أنها غير دقيقة. . الإفراط في السرية 5
| 22
)، فإن David Easton ، التي طرحها ديفيد إيســتون ( " الأنظمة المغلقة " ووفقًًا لنظرية المؤسســات التــي تعمل في بيئات معزولة تفقد القــدرة على التكيف مع التغيرات، وهو ما ينطبق على الأجهزة الاســتخبارية حينما تُُفرط في الســرية؛ إذ تُُصبح معزولة عن التفاعل مع الفاعلين الآخرين؛ مما يُُضعف قدرتها على الاستفادة من التطورات ). كما أن الســرية المفرطة تُُقيد أنشــطة البحث والتطوير، وتحد 27 التقنية والمعرفية( مــن تبادل الابتكارات التقنية في التحليل الاســتخباري؛ مما يجعل الأجهزة عُُرضة للتأخر في مواكبة التهديدات الجديدة، كالهجمات السيبرانية والتقدم التكنولوجي لدى الخصوم. علاوة على ذلك، يؤثر الإفراط في السرية في الجانب النفسي للعاملين؛ إذ قد يُُفضي العمل في بيئة مغلقة إلى الشــعور بالعزلة والضغط النفســي؛ مما ينعكس سلبيًًّا على الأداء والجودة التحليلية. وتحت هذه الظروف، قد يُُحْْرََم المحللون من المعلومات الحيوية التي تُُعد ضرورية لفهم التهديدات وتقديم تقييمات دقيقة. رابعًًا: التحديات النفسية والفكرية تلعب التحديات النفسية والفكرية دورًًا محوريًًّا في باثولوجيا الاستخبارات؛ إذ تؤثر تأثيرًًا مباشرًًا في جودة التحليل واتخاذ القرارات الإستراتيجية. وتنبع هذه التحديات من التحيزات الفكرية والتنظيمية التي تدفع الأفراد إلى تفسير المعلومات وفقًًا لقناعات مســبقة؛ ممــا يقلِِّل من الموضوعية ويزيد من احتماليــة الوقوع في الخطأ. كما تُُعََد ا مؤثرًًا؛ إذ يؤدي الشــك المفرط إلى تقييمات غير واقعية للتهديدات، البارانويا عاملًا بينما قد يفضي تبلد المشــاعر -الناتج عن الضغوط المســتمرة- إلى قرارات تتســم بالقسوة أو انعدام الاعتبارات الإنسانية. ولا تقتصر هذه التحديات على الأفراد، بل تمتد لتشمل كفاءة العمل الجماعي داخل الأجهزة الاســتخبارية؛ مما قد يُُضعف التنســيق ويُُفضي إلى قرارات غير دقيقة أو متسرعة. وتُُوضح الدراسات الأكاديمية أن هذه العوامل تُُعزز التفكير النمطي وتؤدي إلــى تقديرات مبالََغ فيها؛ مما يُُقوض قدرة الأجهزة الاســتخبارية على استشــراف التهديدات بواقعية وشمولية.
23 |
. التحيزات الفكرية 1 عـ َد التحيــزات الفكرية من أبــرز العوامل النفســية التي تؤثر في جــودة التحليل �ُُ ت الاســتخباري؛ إذ تدفع المحللين إلى تفســير المعلومات وفق قناعاتهم السابقة؛ مما ) Confirmation Bias يُُضعف دقة التقييمات الإســتراتيجية. ويُُعد التحيز التأكيدي ( مــن أبــرز هذه التحيزات؛ حيث يدفع الأفراد إلى البحث عن المعلومات التي تدعم .) 28 معتقداتهم، وتجاهل الأدلة المناقضة لها( فعلى ســبيل المثال، أســهم هذا التحيز في فشل الولايات المتحدة في التنبؤ بالغزو ؛ إذ جرى التقليل من أهمية المؤشرات التحذيرية، 1979 الســوفيتي لأفغانستان، عام نتيجة لعدم اعتقاد المحللين بإمكانية حدوث تدخل ســوفيتي مباشر. كما لعب دورًًا في تأخر الإدراك الأميركي لحجم التهديد خلال أزمة الصواريخ الكوبية، وفي حرب فيتنام؛ حيث بالغت الاســتخبارات الأميركية في تقدير خطر الشيوعية؛ مما أدى إلى قرارات غير دقيقة. )، تؤثر العوامل النفسية Cognitive Bias Theory ووفقًًا لنظرية التحيزات الإدراكية ( ) في Daniel Kahneman فــي طريقة معالجة المعلومات. ويُُوضــح دانيال كانيمان ( أن العقل البشري يعتمد على نوعين من التفكير: Thinking , Fast and Slow كتابه )، وهو الأكثر عُُرضة للتحيزات المعرفية، والثاني System 1 الأول سريع وحدسي ( )، وهو الذي يتطلب جهدًًا ذهنيًًّا أكبر ويعتمد على المنطق System 2 بطيء وتحليلي ( .) 29 والتقييم النقدي( ومــن التحيــزات الأخرى المؤثرة في التحليل الاســتخباري، تحيز الاعتزاز بالنفس )؛ حيــث يميــل المحللون إلى تفســير المعلومات بما يدعم Self - Serving Bias ( ، جرى التقليل من أهمية 2001 سبتمبر/أيلول 11 قراراتهم الســابقة. فقبيل هجمات تقارير استخباراتية حذرت من تهديدات تنظيم القاعدة، نتيجة لاعتقاد بعض المحللين .) 30 بعدم وجود تهديد حقيقي للأمن القومي الأميركي( وتُُظهر هذه الأمثلة بوضوح كيف تؤثر التحيزات في دقة التحليل الاستخباري وصنع القرار الجماعي؛ إذ تُُشــوه الإدراك وتُُقو ِِّض فعالية التقييمات الإســتراتيجية. ويُُشــير كانيمان إلى أن هذه التحيزات تُُضعف قدرة المحللين على تقديم توقعات موضوعية وشاملة للتهديدات؛ مما ينعكس سلبيًّّا على القرارات التي تُُبنى على تلك التقييمات.
| 24
. البارانويا 2 تُُعََد البارانويا ظاهرة نفسية باثولوجية تؤثر تأثيرًًا كبيرًًا في العاملين في الاستخبارات؛ إذ تتجســد في الشــك المفرط وتفســير المواقف غير المهدِِّدة على أنها تهديدات حقيقية. ويتفاقم هذا الشعور في البيئات الاستخباراتية المشحونة بالضغوط المستمرة والتوترات السياسية؛ مما يُُعزز مشاعر القلق والخوف، ويؤدي إلى تحليلات غير دقيقة للمخاطر. Richard ووفقًًا لنظرية الانفعالات والضغط النفسي، التي طورها ريتشارد لازاروس ( )، فإن التعرض المستمر للضغوط Susan Folkman ) وســوزان فولكمان ( Lazarus يُُعزز من الاختلالات النفســية، ومنها البارانويا، حيث يؤدي الإدراك المشــوه للواقع ). في هذا الســياق، قد يُُبالغ المحللون 31 إلى اتخاذ قرارات اســتخباراتية غير دقيقة( في تقدير تهديدات معينة أو يُُهملون أخرى، بناء على مشــاعر غير منطقية بالخطر؛ .) 32 مما يُُلحق ضررًًا بالتقييمات الإستراتيجية( ومن الأمثلة البارزة، التقارير الاستخباراتية الأميركية خلال حرب فيتنام؛ إذ أدى القلق المفرط بشــأن التهديد الشــيوعي إلى مبالغة في تقدير الخطر؛ مما أسفر عن قرارات ). وتؤكد هذه الحالة أن البارانويا ليســت اضطرابًًا فرديًًّا 33 إســتراتيجية غير متوازنة( فحســب، بل قد تؤثر في الأداء الجماعي للمؤسســات الاستخباراتية؛ مما يستدعي تطوير آليات منهجية للحد من أثرها على عملية صنع القرار. )، رئيس James Jesus Angleton وفــي الســياق ذاته، تُُعََد حالة جيمس أنجلتــون ( ، 1974 و 1954 مكافحة التجسس في وكالة المخابرات المركزية الأميركية بين عامََي ا بــارزًًا على أثر البارانويا في العمل الاســتخباري؛ إذ كان مقتنعًًا بوجود عميل مثــال ًا مزدوج داخل الوكالة لصالح الاتحاد السوفيتي؛ مما دفعه إلى الشك المفرط بزملائه وإطلاق تحقيقات اســتمرت ســنوات، أثََّرت سلبيًًّا على كفاءة الوكالة خلال الحرب .) 34 الباردة( ) من بارانويا شديدة قادته إلى شن Joseph Stalin وبالمثل، عانى جوزيف ســتالين ( حملات تطهير واسعة في ثلاثينات القرن العشرين، أُُعدم وس ُُجن خلالها آلاف القادة ). أما كيم 35 والمسؤولين؛ مما أضعف القدرات الاستخباراتية والعسكرية السوفيتية(
25 |
) لصالح MI6 )، العميل المزدوج في الاســتخبارات البريطانية ( Kim Philby فيلبي ( الاتحاد الســوفيتي، فقد عاش تحت ضغط نفســي هائل بســبب الخوف من كشف خيانته، وســاهمت هذه البارانويا المتبادلة بين الاستخبارات البريطانية والسوفيتية في .) 36 تأخير اكتشاف خيانته لعقود( )، موظف وكالة الأمن Edward Snowden كذلــك، تُُظهر قضيــة إدوارد ســنودن ( )، كيف تؤثر الضغوط النفســية في العمل الاستخباري على NSA القومي الأميركية ( اتخاذ القرار؛ إذ أدى قلقه المستمر إلى تسريب وثائق سرية كشفت عن برامج تجسس .) 37 ا واسعًًا بشأن الضغوط النفسية في البيئات الاستخباراتية( موسعة؛ مما أثار جدلًا ، وردت تحذيرات استخباراتية متكررة بشأن 2001 سبتمبر/أيلول 11 وقبيل هجمات تهديدات تنظيم القاعدة، غير أن بعض المحللين قلََّلوا من أهميتها نتيجة شعور زائف بالأمان، فيما يُُعرف بالبارانويا المعاكســة؛ مما أدى إلى تباطؤ في اتخاذ الإجراءات .) 38 الوقائية المناسبة( ولا يقتصــر أثــر البارانويــا على فترة العمل، بل يمتد إلى ما بعد التقاعد؛ إذ أشــار العديد من قدامى المحاربين الاســتخباراتيين، خاصة بعد حرب فيتنام، إلى استمرار مشــاعر القلق وانعــدام الثقة؛ مما أدى إلى العزلــة الاجتماعية وضعف التفاعل مع .) 39 المجتمع( وتؤكد الدراسات النفسية على أثر الضغط المهني المستمر في البيئات الاستخباراتية؛ ) إلى أن التعرض لضغــوط عالية قد يؤدي إلى John Perry إذ يشــير جــون بيري ( اضطرابات نفســية دائمة، مثل القلق والبارانويا. ورغم أن دراسته لا تتناول العاملين فــي الاســتخبارات تحديدًًا، فــإن نتائجها تنطبق على هذا الســياق لطبيعة الضغوط .) 40 المشابهة( كما يدعم لازاروس وفولكمان، من خلال نظرية الضغط النفسي، فكرة أن التعرض المســتمر للضغوط يُُضعف الصحة النفســية، ويؤثر في القدرة على التحليل واتخاذ .) 41 القرار، وهي عناصر حاسمة في العمل الاستخباري( عمومًًا، تُُســلِِّط البارانويــا الضوء على التأثير العميق للضغوط النفســية على رجال الاســتخبارات؛ مما قد يؤدي إلى تشــويه إدراكهم للواقع واتخاذ قرارات غير دقيقة.
| 26
كما أن امتداد هذه التأثيرات إلى ما بعد الخدمة يؤكد أهمية دراســة الأبعاد النفســية للظاهرة، وآثارها طويلة الأمد في العاملين بهذا المجال الحيوي. . تبلد المشاعر 3 ا رئيسًًا في نشوء حالات نفسية باثولوجية يُُشك ِِّل العمل في بيئات عالية الضغط عاملًا )؛ حيث Emotional Numbness لدى رجال الاستخبارات، من أبرزها تبلد المشاعر ( يفقــد الفرد القدرة على التعاطف مع الآخرين؛ مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات صارمة تفتقر إلى الحساســية خلال العمليات الميدانية أو الاســتجوابات، وهو ما يزيد من احتمالات التصعيد وارتكاب أخطاء أخلاقية. قـ ًا لنظريــة الإجهاد المزمن، فإن التعرض المســتمر للضغوط النفســية يُُضعف � ووف الاســتجابة العاطفية ويُُعزز التكيف الســلبي مع مشــاهد العنف؛ مما يُُخل بالتوازن الأخلاقي والمهني في العمل الاستخباري. ويتجسد ذلك في لا مبالاة تجاه العواقب الإنســانية للقرارات المتخذة، وهو ما ينعكس ســلبيًًّا على فاعلية العمليات ومستوى .) 42 الثقة بين الزملاء( وتؤكد الدراسات النفسية أن الضغوط المزمنة تُُؤثر في القدرة على التحكم العاطفي ) إلى أن التعرض المستمر John Perry والسلوكي. في هذا السياق، يُُشير جون بيري ( للإجهاد في بيئات عالية التوتر يُُسهم في ظهور اضطرابات عاطفية طويلة الأمد. وعلى الرغم من أن دراســته لا تتناول رجال الاستخبارات تحديدًًا، فإن نتائجها تساعد في .) 43 فهم تأثير هذه الضغوط على العاملين في البيئات الحساسة( كمــا يُُشــير لازاروس وفولكمان إلى أن الإجهــاد المزمن قد يُُضعف آليات التكيف العاطفي؛ مما يؤدي إلى اســتخدام أســاليب دفاعية مثل تبلد المشــاعر. وفي بيئات الاستخبارات، قد تتحول هذه الآليات إلى عزلة اجتماعية بعد التقاعد، وهو ما يُُبرز .) 44 التأثيرات طويلة الأمد للضغوط النفسية في المهن ذات المتطلبات العالية( ويُُقد ِِّم التاريخ أمثلة واضحة على هذه الظاهرة؛ فقد أظهرت أســاليب الاســتجواب العنيفــة خلال الحرب العالمية الثانية تطور مشــاعر العزلــة وفقدان التعاطف نتيجة – 2003 للضغوط المستمرة. وفي العصر الحديث، تعكس أحداث سجن أبو غريب ( ) مدى تأثير تبلد المشاعر في القرارات الأخلاقية؛ إذ أظهرت التحقيقات فشل 2004
27 |
الجنود في مراعاة الأبعاد الإنسانية لضحاياهم؛ مما يؤكد أثر بيئات الحرب والضغط .) 45 النفسي في إنتاج سلوكيات قاسية( توضح هذه الأمثلة كيف أن الضغوط المســتمرة في البيئات الاســتخباراتية تُُســهم في نشــوء اضطرابات نفســية تُُؤثر على جودة القرارات والتفاعل الإنساني. لذا، فإن فهم تأثير هذه العوامل يُُعد أمرًًا بالغ الأهمية لمعالجة التحديات النفسية التي تواجه العاملين في هذا المجال. . هوس المعلومات 4 يعكــس هوس المعلومات الميل المفرط إلى جمع كميات ضخمة من البيانات دون تركيز كاف على تحليلها؛ مما يؤدي إلى اســتنزاف القدرات التحليلية وتراجع جودة Information Overload القرارات الاســتخبارية. وتشير نظرية الفائض المعلوماتي ( ) إلى أن التدفق المستمر للمعلومات دون وجود أدوات تحليل متطورة يؤدي Theory إلى تشتت معرفي؛ مما يُُضعف القدرة على استخلاص الأنماط واتخاذ القرارات في .) 46 الوقت المناسب( في بيئات الاستخبارات، يُُسهم الضغط الناتج عن معالجة كم هائل من المعلومات في .) 47 إرهاق نفســي، يتجلى في اضطرابات مثل القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية( كما تُُشــير الدراســات إلى أن الإفراط في معالجة البيانات في البيئات عالية الضغط، كمــا في الاســتخبارات، يؤدي إلى تراجع القدرة علــى تصفية البيانات المهمة؛ مما .) 48 يزيد من الإرهاق العاطفي ويُُضعف الكفاءة التحليلية( فعلى ســبيل المثال، خلال العمليات الأميركية في العراق وأفغانستان، واجه الجنود تدفقًًا كبيرًًا من المعلومات الاستخبارية، مما أدى إلى إجهاد معرفي حََد من قدرتهم ، 2001 سبتمبر/أيلول 11 ). وبالمثل، قبيل هجمات 49 على اتخاذ قرارات مســتنيرة( واجه موظفو وكالة المخابرات المركزية الأميركية صعوبات في التنسيق بين كميات هائلة من المعلومات؛ مما أعاق استخلاص استنتاجات دقيقة وأسهم في فشل التنبؤ ). وفي وكالات اســتخباراتية أوروبية، أدى الضغط المستمر لمعالجة 50 بالهجمات( البيانــات، دون وقــت كاف للتحليل، إلى ارتفاع مســتويات القلــق والاكتئاب بين .) 51 الموظفين(
| 28
تُُوضح هذه الأمثلة كيف يمكن أن يؤدي هوس المعلومات إلى تدهور الصحة النفسية للعاملين في الاستخبارات؛ مما يُُفضي إلى اضطرابات باثولوجية مثل القلق والاكتئاب والعزلة، إضافة إلى تراجع القدرة على التفاعل الاجتماعي الفعال. . الخوف من الفشل 5 ا نفسيًًّا باثولوجيًًّا يؤثر في رجال الاستخبارات؛ إذ يؤدي يُُعََد الخوف من الفشل عاملًا إلى الحذر المفرط أو اتخاذ قرارات اســتباقية غير مبررة؛ مما يُُقيد التفكير الإبداعي ويُُفضي إلى تفويت فرص إســتراتيجية. ويبرز هذا التأثير في البيئات عالية الضغط؛ حيث يُُسفر التوتر المزمن عن ضعف القدرة على اتخاذ قرارات دقيقة ومدروسة. )، التي طورها ريتشــارد لازاروس Stress Theory ووفقًًا لنظرية الضغط النفســي ( )، فإن العمل في بيئات Susan Folkman ) وســوزان فولكمان ( Richard Lazarus ( شــديدة التوتر يزيد من تبني ســلوكيات دفاعية تحد من الابتكار؛ مما قد يؤدي إلى ). وفي هذا الســياق، تُُشير دراسة ديفيد بيل 52 الشــعور بالعجز أو القلق المســتمر( ) إلى أن التعرض المســتمر لمخاوف الفشــل يُُســهم في اضطرابات David Bell ( نفســية طويلة الأمد، مثل القلق والاكتئاب، وهي أعراض شــائعة بين العاملين في الاســتخبارات. ويرى بيل أن المسؤوليات الثقيلة والمخاطر المرتبطة باتخاذ قرارات حساسة قد تخلق بيئة من التوتر العصبي؛ مما يؤدي إلى تراجع الأداء المهني ووقوع .) 53 أخطاء إستراتيجية( ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة خلال حرب فيتنام؛ إذ تعرََّض الجنود والاســتخبارات العسكرية الأميركية لضغوط نفسية هائلة، نتيجة الخوف من الفشل في جمع المعلومات أو اتخاذ قرارات غير دقيقة؛ مما دفع بعض القادة إلى اتخاذ قرارات استباقية استنادًًا ). كما لعب 54 إلــى معلومات غير مكتملة، وهو ما أدى إلى إخفاقات إســتراتيجية( ؛ حيث واجهت الاستخبارات الأميركية 2003 هذا العامل دورًًا في غزو العراق، عام وقــوات التحالف صعوبــة في الحصول على معلومات دقيقة حول أســلحة الدمار .) 55 الشامل المزعومة؛ مما أدى إلى اتخاذ قرارات متسرعة ذات نتائج عكسية( وفي حقبة الحرب الباردة، شــك ََّل الخوف من الفشل في مواجهة التهديدات النووية ضغطًًا مســتمرًًّا على مسؤولي الاستخبارات في كل من الولايات المتحدة والاتحاد
29 |
الســوفيتي؛ مما دفعهم إلى اتخاذ قرارات اســتباقية غير محسوبة، ساهمت في زيادة ) أن MI6 ). كما أظهرت دراســة حول الاستخبارات البريطانية ( 56 التوترات الدولية( عددًًا من كبار المسؤولين كانوا يعانون من خوف مفرط من الفشل في تنفيذ المهام الحساسة؛ مما أدى إلى اتخاذ قرارات متسرعة أو غير دقيقة، خاصة فيما يتعلق بجمع .) 57 المعلومات حول أسلحة الدمار الشامل في العراق( . إدمان السلطة 6 في الأدبيات النفسية بوصفه أحد الاضطرابات المحتملة " إدمان السلطة " يُُطرح مفهوم في البيئات القيادية ذات الضغط المرتفع؛ حيث قد تؤدي المسؤوليات الحساسة إلى ظهور نزعات قوية نحو الســيطرة واتخاذ القرار الفردي؛ مما قد يؤثر في العلاقات Power ( " السلطة والسيطرة " المهنية ويُُضعف فاعلية العمل الجماعي. ووفقًًا لنظرية )، فإن البيئات المؤسســية التي تتطلب قرارات حاسمة تحت and Control Theory ضغط دائم قد تُُســهم في تضخيم الإدراك الذاتي للنفوذ، ما قد يدفع بعض الأفراد ). وتبرز هذه الديناميكيات بشكل 58 إلى أنماط سلوكية تميل إلى الانغلاق أو الهيمنة( خاص في المؤسسات ذات البنية الهرمية الصارمة؛ حيث تُُصبح الحاجة إلى التحكم أحيانًًا استجابة دفاعية لضغوط المسؤولية المستمرة. وقد أشــارت دراســات وتحليلات تاريخية إلى أن بعض الأجهزة الاستخباراتية قد شــهدت حالات داخلية اتسمت بارتفاع مســتويات المركزية والتحكم؛ مما انعكس على ديناميات العمل الجماعي والتنسيق الداخلي. فعلى سبيل المثال، تشير كتابات ) في فترات معينة KGB مؤرخي الاستخبارات إلى أن جهاز الاستخبارات السوفيتي ( من تاريخه، اتســم ببيئة عمل شــديدة الانضباط والرقابــة، رافقتها أجواء من التوتر ). وفي الســياق الأميركي، تبرز 59 الداخلــي والتنافس؛ مما أثََّر في مرونة العمليات( ا يُُستشــهد به في بعض الأدبيات عند مناقشــة ) بوصفها مثالًا Ajax ( " أجاكس " عملية أثر التوترات الداخلية والضغوط السياســية على التنسيق بين الوكالات أثناء الحرب الباردة. أما في أوروبا، فقد أوردت تقارير إعلامية وأكاديمية إشــارات إلى تأثيرات بيروقراطيــة مماثلــة داخل بعض الأجهزة الأمنية، انعكســت على مســتوى التعاون ) 60 المؤسسي.(
| 30
وفي السياق الشرق أوسطي، تشير بعض الدراسات المتخصصة إلى تحديات تنظيمية )، ترتبط بنمط القيادة Mossad داخلية في أجهزة اســتخباراتية مثل جهاز الموســاد ( المركزية وتأثيره في التنســيق العملياتي. كما تشــير مراجعات أكاديمية إلى أن بعض الأجهزة في دول العالم النامي، بما فيها أجزاء من العالم العربي والإفريقي، واجهت صعوبات تنظيمية تعود جزئيًًّا إلى ضعف آليات التقييم والمساءلة؛ مما أسهم في خلق بيئة عمل يغلب عليها الطابع الرأسي والمركزي. علاوة علــى ذلك، فإن الطبيعــة الهرمية للأجهزة الاســتخباراتية قد تؤدي بطبيعتها إلى تركز القرار في يد فئة ضيقة من القيادات، لاســيما في غياب الرقابة المؤسســية المســتقلة؛ مما قد يعزز مناخ ًًا تنافســيًًّا داخليًًّا ويؤثر في الشفافية والمرونة التنظيمية. وهو ما يســتدعي، في المقابل، تطوير آليات رقابية واضحة ومســتقلة، تُُســهم في ترســيخ بيئة مؤسســية أكثر توازنًًا، وتعزز الكفاءة والاستقرار الإداري داخل الأجهزة تُُعََد النرجســية أحد الاضطرابات النفســية التي قد تظهر في الأفراد العاملين ضمن بيئــات العمل عالية الضغط، مثل الأجهزة الاســتخباراتية. وتتميز النرجســية بزيادة )، حيث يميل الأفراد النرجسيون إلى المبالغة Grandiosity مفرطة في تقدير الذات ( في تقييم أهميتهم الذاتية وقدراتهم؛ مما قد يقود إلى تجاهل الآراء النقدية أو الميل إلى فرض الهيمنة على القرارات. وفي بيئة الاستخبارات، حيث يُُناط بالأفراد التعامل مع معلومات حساسة واتخاذ قرارات حاسمة في ظروف متقلبة، قد يعزز هذا الشعور .) 62 بالعظمة خطر اتخاذ قرارات متهورة قائمة على تقدير ذاتي مفرط( ولا تقتصر النرجسية على تقدير الذات، بل تشمل أيض ًًا الحاجة المفرطة للإعجاب، وهي ســمة شــائعة لدى الأفراد الذين يسعون باســتمرار إلى نيل التقدير والاعتراف من الآخرين. وفي بيئات العمل الاســتخباري، حيث يُُعد الاحترام المهني جزءًًا من الديناميكيات الداخلية، فإن السعي غير المتوازن وراء الإعجاب قد يؤدي إلى تراجع الموضوعية في اتخاذ القرار. كما يجد الأفراد النرجســيون صعوبة في تقبل النقد أو الاستماع لآراء الفريق؛ مما يُُضعف التعاون ويحد من التنسيق الفعال بين العمليات .) 63 الاستخباراتية( الاستخبارية. . النرجسية 7
31 |
ومــن منظور مغاير، تتداخل النرجســية أحيانًًا مع اضطرابــات مثل اضطراب الهوية )، وهو أمر شائع Dissociation and Identity Disturbance والانفصال عن الذات ( في البيئات الاســتخباراتية الحساســة، حيث تتطلب الظروف المعقدة اتخاذ قرارات إســتراتيجية تحت ضغط. قد يؤدي هذا الانفصال إلى تبني هويات متناقضة أو غير مستقرة؛ مما يعيق القدرة على اتخاذ قرارات متسقة ومدروسة، ويُُعزز من السلوكيات .) 64 الفردية التي تُُهدد العمل الجماعي( بالإضافة إلى ذلك، قد يرتبط الأفراد النرجســيون باضطراب الشــخصية الوسواسية )، حيــث يُُظهــرون Obsessive - Compulsive Personality Disorder – OCPD ( رفض ًًا للتنازل عن الســيطرة أو التعاون. وفي الســياق الاســتخباري، قد تؤدي هذه السمات إلى بيئة يسودها الإفراط في التدقيق والرقابة؛ مما يُُقيد اتخاذ قرارات مرنة .) 65 وفعالة، ويُُقوض التفكير الإبداعي( )؛ إذ يشك Paranoia أحد الأبعاد الخطيرة للنرجســية هو ارتباطها بجنون الارتياب ( الأفراد النرجســيون بنوايا الآخرين، ويظنون أنهم يســعون إلى التقليل من شأنهم أو التآمر ضدهم. وفي البيئات الاستخباراتية التي تتميز بتعدد الجهات الفاعلة، يُُفاقم هذا الميل الشعور بالعزلة ويُُصعِِّد التوتر بين الأفراد. ويتجه النرجسيون في هذه الحالات إلــى التفكير الثنائي المتطرف؛ مما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات مبنية على معلومات .) 66 غير موثوقة أو معتقدات زائفة، وهو ما يُُقوض مصداقية العمل الاستخباري( خامس ًًا: مستقبل باثولوجيا الاستخبارات في سياق تعزيز فاعلية الأجهزة الاستخبارية، تبرز الحاجة إلى تطبيق إصلاحات شاملة تتناول الأبعاد التنظيمية والتقنية والنفســية والأخلاقية. وتهدف هذه الإصلاحات إلى تحسين التنسيق، وتعزيز الشفافية، وتطوير القدرات البشرية والتقنية، وضمان الالتزام بمعايير النزاهة المهنية. ومن خلال تبني هذه المقاربات، يمكن للأجهزة الاستخبارية أن تتعامل بفاعلية أكبر مع التهديدات المتغيرة والمعقََّدة. تُُعََد فاعلية التنسيق بين الوكالات الاستخبارية محورية في تقليل الفجوات المعلوماتية، Organizational وتحســين الاستجابة للتهديدات. ووفقًًا لنظرية التنسيق المؤسسي ( )، فإن تبني نظم متكاملة لتبادل المعلومات يُُسهم في تعزيز Coordination Theory
| 32
). وفي 67 التعاون وتكامل العمليات؛ مما يضمن دقة تبادل البيانات وسرعة معالجتها( هذا السياق، تُُوفر المنصات الرقمية الآمنة أدوات فعالة لتعزيز التنسيق المؤسسي. إلى جانب ذلك، تبرز أهمية الشــفافية والمســاءلة بوصفهما ضمانتين لنزاهة العمل Good ا لاحتمالات التحيز أو التسييس. وتُُعد الحوكمة الرشيدة ( الاستخباري، وتقليلًا يـ ًا يوفر أدوات لتعزيز الشــفافية عبر آليات مثل � ) إطــارًًا نظر Governance Theory .) 68 اللجان المستقلة لمراجعة القرارات، ومتابعة الأداء المؤسسي( ومن ناحية التقنية، فإن الاستثمار في أدوات تحليل المعلومات المتقدمة يمثل ركيزة )، فإن استخدام الذكاء Big Data Theory أساسية. ووفقًًا لنظرية البيانات الضخمة ( الاصطناعي في رصد الأنماط الخفية والتنبؤ بالتهديدات يُُعزز دقة التحليل ويُُســهم .) 69 في تحسين اتخاذ القرار( وفي البُُعد البشري، تُُعد برامج التدريب المتخصص أحد أهم عناصر بناء القدرات. ) أهمية تطوير Continuous Learning Theory وتُُبــرز نظريــة التعليــم المســتمر ( .) 70 مهارات التفكير النقدي وفهم التحيزات النفسية، وكيفية إدارة الضغوط المهنية( كما يشــك ِِّل تطوير نظم مراقبة الســلوك المهني جزءًًا من منظومة النزاهة، استنادًًا إلى )، والتي تدعو إلى Institutional Transparency Theory نظرية الشفافية المؤسسية ( .) 71 إنشاء فرق رقابية مستقلة لرصد الأداء وضمان المعايير الأخلاقية( وبموازاة ذلك، تُُعزز القيادة الأخلاقية فاعلية الإصلاح المؤسســي، كما تشــير نظرية )، التي تؤكــد على أهمية القادة Ethical Leadership Theory القيــادة الأخلاقيــة ( .) 72 القادرين على غرس قيم الشفافية والنزاهة ضمن الثقافة المؤسسية( في الســياق النفسي، تستوجب معالجة باثولوجيا الاستخبارات تبني مقاربات شاملة Chronic تتعامل مع الضغوط النفســية طويلة الأمد. وتشــير نظرية الإجهاد المزمن ( ) إلــى أن التعــرض المســتمر للضغوط يؤدي إلــى تدهور القدرة Stress Theory علــى التكيف العاطفي؛ مما يتطلب تدخلات علاجية تشــمل التدريب على تقنيات .) 73 الاسترخاء وإدارة القلق( ) أهمية Daniel Kahneman ( " دانيال كانيمان " كمــا تُُبرز نظرية التفكيــر المزدوج لـ ) في تقليل الانحرافات System 2 ) والتحليلي ( System 1 التمييز بين التفكير الحدسي ( .) 74 المعرفية، خاصة التحيز التأكيدي؛ مما يُُحس ِِّن من جودة القرار الاستخباري(
33 |
ا علاجيًًّا مكثفًًا من خلال أمــا الحالات الأكثــر تعقيدًًا، مثل البارانويا، فتتطلب تدخلًا ) أو العلاج الجماعي، وهي ممارسات CBT برامج مثل العلاج المعرفي الســلوكي ( ). على أن 75 ( " لازاروس وفولكمان " مدعومة بنظرية الانفعالات والضغط النفســي لـ هــذه العلاجات لا تُُثمر إلا في بيئة مؤسســية داعمــة، وفقًًا للنموذج البيئي للضغط .) Ecological Model of Stress )( 76 النفسي ( ا ضروريًًّا لتخفيف وفــي مجال الدعم التكنولوجي، تُُمثل أدوات التحليل الذكي حل ًّا Information العبء المعرفي عن المحللين، استنادًًا إلى نظرية الفائض المعلوماتي ( .) 77 ) التي تُُظهر العلاقة بين التدفق المعلوماتي والتشتيت النفسي( Overload Theory ولا ينبغــي أن يقتصــر الدعم على فترة الخدمة، بل يمتــد إلى ما بعد التقاعد، وفقًًا )، من خلال برامج Psychological Adaptation Theory لنظرية التكيف النفســي ( دعم انتقالي تُُساعد المتقاعدين على التكيف مع الحياة المدنية، وتقلل من آثار العزلة .) 78 النفسية( أخيرًًا، يُُعََد التقييم النفسي المنتظم عنصرًًا وقائيًًّا أساسيًًّا، عبر أدوات قياس متخصصة، للكشــف المبكر عن الاضطرابات وتقديم التدخل المناســب في الوقت المناسب. وتُُسهم هذه المقاربة في تعزيز استقرار الأفراد والحفاظ على جاهزيتهم المهنية على المدى الطويل. خاتمة تُُعد باثولوجيا الاســتخبارات موضوعًًا محوريًًّا لفهم التحديات التي تواجه الأجهزة الاســتخبارية في ســعيها لتحقيق الأهداف الإستراتيجية وإدارة الأزمات. ومن خلال تحليل الأبعاد المؤسســية والنفســية لهذه الظاهرة، يتضح أنها لا تقتصر على أخطاء فردية أو مشكلات معزولة، بل تمثل نتاجًًا لتفاعل معقد بين عناصر تنظيمية ونفسية تؤثر بعمق في أداء الأجهزة الاستخبارية. على الصعيد المؤسسي، كشفت الدراسة أن ضعف التنسيق بين الوكالات الاستخبارية يشــكل أحد أبرز أســباب الفجوات المعلوماتية، ويُُضعف من القدرة على استشراف التهديــدات بصورة شــاملة. وقــد أظهرت النتائج أن غياب التنســيق يُُعزز الانغلاق المؤسســي، ويُُفضي إلى عمل منفصل لكل وكالة؛ مما يؤدي إلى تفتُُّت المعلومات
Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200Made with FlippingBook Online newsletter