العدد 27 من مجلة لباب

51 |

. عقبة السرية 1 تميزت الثقافة السياســية البريطانية، طيلة القرن العشرين، بانتهاج سياسة متشددة في التعامل مع المعلومات الاستخباراتية، تقوم على الحجب الكامل والتكتم المؤسسي. وقد شــك ََّل هذا الســياق أحد أكبر العوائق أمام ترسيخ حقل أكاديمي مستقل لدراسة الاستخبارات؛ إذ واجه الأكاديميون والباحثون صعوبات بالغة في النفاذ إلى الوثائق والأرشــيفات؛ مــا جعل من دراســة هذا المجــال أمرًًا محفوفًًا بالعقبــات القانونية والإجرائية. دعمــت الحكومــات البريطانية المتعاقبة، مــن المحافظين والعمــال، هذا التوجه، وأصرََّت على استمرار منطق السرية باعتباره دعامة أساسية للأمن القومي. ولم تكن هناك اســتثناءات تُُذكر تســمح للباحثين المدنيين بالوصول إلى المعلومات، باستثناء حالات نادرة. ومع ذلك، ظهرت من حين لآخر مذكرات شخصية لضباط استخبارات متقاعدين منذ سبعينات القرن الماضي؛ ما خلق ديناميكية مزدوجة تجمع بين الحظر والتسريب، وأسهمت لاحقًًا في تهيئة المناخ الفكري لنشوء حقل دراسي متمايز. يعود أحد أبرز التعبيرات عن هذه الثقافة الرسمية إلى تصريح شهير لوزير الخارجية ، حين قال: 1924 )، عام Austin Chamberlain البريطاني، الســير أوستن شامبرلين ( إن جوهر أي جهاز استخباراتي هو أن يكون سريًًّا، وإذا ما بدأت في الكشف عن " ). وقد 2 ( " المعلومات، فمن الواضح تمامًًا أنه لم يعد هناك جهاز استخباراتي سري ، الذي صيغ خصيص ًًا 1911 جاء هذا التصريح منسجمًًا مع قانون الأسرار الرسمية لعام لمنع نشــر أو تســريب أية معلومات تتعلق بالأنشطة الاستخباراتية. غير أن المفارقة تتجلــى في أنه، وبعد ثلاث ســنوات فقط، قام وزير الخارجيــة ذاته بقراءة برقيات سوفيتية غير مشفرة أمام مجلس العموم، مبررًًا بها قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي، وهو ما أسفر عن إلحاق أضرار جسيمة بجهود استخبارات الإشارة ). ورغم ذلك، ظلت الحكومات البريطانية 3 البريطانيــة في مواجهة الكتلة الشــرقية( متمسكة بسياسة التكتم، واستمرت في تعزيز إطار قانوني يُُجرِِّم كشف أسرار العمل الاستخباراتي دون تفويض رسمي. إلا أن هذا الواقع لم يمنع الأوســاط الثقافية من التفاعل مع موضوع الاســتخبارات بوسائل غير مباشرة. فقد أسهمت فضائح التجسس السوفيتي في بريطانيا، وما أثارته

Made with FlippingBook Online newsletter