العدد 27 من مجلة لباب

| 64

تُُســهم في إضاءة الطريق نحو بناء دراسات استخباراتية عربية مستقلة، تتميز بالعمق التحليلي والصرامة المنهجية، وتســتند إلى فهم مؤسسي للسياقات الأمنية والسياسية في المنطقة. حدود محاكاة التجربة البريطانية في الدول العربية يمكــن رصد جملة من المعوقات البنيوية والمؤسســية التــي تعرقل إمكانية محاكاة التجربة البريطانية في الدراسات الاستخباراتية داخل السياقات العربية. من أبرز هذه المعيقــات هيمنة منطق الســرية المطلقة على الأجهزة الأمنيــة، وغياب أطر قانونية واضحــة تنظــم آليات رفع الســرية أو إتاحة الأرشــيفات التاريخية أمــام الباحثين، لاســيما تلك المرتبطة بتاريخ مواجهة الاســتعمار أو بالحروب العربية-الإسرائيلية، ودور أجهزة المخابرات فيها. كما تعاني الجامعات العربية من غياب شبه تام لمراكز ا عن ندرة الباحثين المؤهلين بحثية متخصصة في دراسات الأمن والاستخبارات، فضلًا أكاديميًًّا في هذا المجال، وهو ما يرتبط بدوره بغياب التكوين العلمي المنهجي في موضوع الاستخبارات. تُُضاف إلى ذلك اعتبارات سياسية تتصل بخشية الأنظمة من كشف حقائق قد تُُحرج مؤسسات الدولة أو تفضح ممارسات تنتهك الحقوق والحريات؛ مما يُُبقي هذا الحقل . كما أن ضعف ثقافة التوثيق التاريخي الرســمي، " المنطقة المحظورة معرفيًًّا " ضمن وتضارب المصالح بين المؤسسات الأمنية والهيئات الأكاديمية، يُُشك ِِّل عائقًًا إضافيًًّا أمام بناء تراكم معرفي منظم يشبه ما تحقق في السياق البريطاني. وبهذا، فإن محاكاة التجربة البريطانية في السياق العربي تبقى رهينة جملة من التحديات المتشابكة التي لا يمكن تجاوزها دون إصلاحات قانونية وثقافية وسياسية جذرية. ولتجاوز هذه المعيقات، يُُفترض تبني رؤية إصلاحية شــاملة تنطلق من إرســاء بيئة قانونية وتشريعية تضمن الحق في النفاذ إلى المعلومات، وتُُحدد ضوابط رفع السرية عن الوثائق الاســتخباراتية بعد مدد زمنية مدروســة، على غرار النموذج البريطاني. كما ينبغي تشجيع الجامعات ومراكز الأبحاث على تطوير برامج أكاديمية متخصصة في دراسات الأمن والاستخبارات، مع توفير التدريب المنهجي للباحثين والمهتمين.

Made with FlippingBook Online newsletter