65 |
ويمكن كذلك تعزيز الشراكة بين المؤسسات الأكاديمية والأمنية على قاعدة الشفافية والاحترام المتبادل، بما يســمح بإنتاج معرفة علمية رصينة لا تمس ضرورات الأمن القومي. تحت إشراف مؤرخين معتمدين، مع تمكينهم من " التاريخ الرسمي " ويُُمثل تبني مبدأ الوصول إلى الأرشــيفات وفق ضوابط محددة، خطوة محورية في بناء تراكم معرفي عربي في هذا الحقل المهمش. كما أن نشــر ثقافة الانفتاح على الذاكرة المؤسســية للدولة، ودمج الدراسات الاستخباراتية ضمن الحقول الأكاديمية الكبرى كالعلاقات الدولية والعلوم السياســية، يُُســهم في تعزيز الوعي بأهمية هذه الدراســات في فهم السياسات الأمنية وتاريخ الدولة العميقة في العالم العربي. وفي ضوء التجربة البريطانية، يمكن القول: إن الاستثمار في الدراسات الاستخباراتية داخل الدول العربية من شــأنه أن يحقق مجموعة من الفوائد العلمية والعملية ذات الأبعاد الأمنية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية. فعلى المستوى الأكاديمي، يسهم هذا الحقل في تأسيس مجال معرفي مستقل ومتعدد التخصصات يُُغني المكتبة العربية ويعزز البحث العلمي في قضايا الأمن القومي والاســتخبارات. أما على المســتوى السياسي والأمني، فإن تطوير هذا المجال يعزز من فاعلية مؤسسات الدولة، ويُُرسخ ثقافة الشفافية والمساءلة، ويُُعيد بناء الثقة بين المواطن وأجهزته الأمنية. وفــي البعــد العســكري، يوفر هذا الحقــل فهمًًا أعمــق للعمليات الاســتخباراتية والإستراتيجيات الدفاعية، ويدعم بناء عقيدة أمنية قادرة على التكيف مع التهديدات المعاصرة كالحروب الســيبرانية والهجينة. أما دبلوماسيًًّا، فيمنح ص ُُنََّاع القرار أدوات تحليليــة لفهم ديناميكيات التعاون والصراع الاســتخباراتي الدولي، ويُُعزز من قدرة الــدول العربية على التفاوض وبناء شــراكات أمنية متوازنة. وأخيرًًا، فإن تطوير هذا المجال يســهم في تحصين المجتمعات من الاختراقات الفكرية والتجسسية، ويدعم الابتكار في الصناعات الأمنية والمعلوماتية، بما يجعل من الدراســات الاستخباراتية رافعة إستراتيجية لتعزيز الأمن القومي العربي في أبعاده المختلفة.
Made with FlippingBook Online newsletter